حميد طارش
يشهد العالم ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، ويرى الخبراء المختصون بأن أهم أسبابه هي الغازات المنبعثة من الوقود الاحفوري (الفحم والنفط والغاز)، ولاتخفى علاقة هذا الوقود بالعمل الاقتصادي (عمليات الانتاج) والتجاري (عمليات النقل) وتكالب دول العالم الكبرى وشركاتها في التنافس على زيادة الانتاج دون وازع لاعتبارات أخرى تمس حياة البشرية ومستقبل أجيالها.
لقد اصبح الاحتباس الحراري قضية حقوق إنسان فهو يهدد حقه في الحياة من خلال آثاره المتمثلة بموجات الحر والعواصف والفيضانات والحرائق الكبيرة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، مصرع ما يقرب من (10) آلاف شخص في الفلبين في عام 2013 بسبب اعصار (يولاندا) ومصرع ما يقرب من (35) ألف شخص في اوربا بسبب موجة الحر سنة 2003، وتتوقع منظمة الصحة العالمية وفاة (250) ألف شخص للمدة من (2030-2050) بسبب مرض الملاريا وسوء التغذية والاسهال وموجات الحر كآثار محتملة للاحتباس الحراري، كما يُهدد الاحتباس المذكور حق الانسان في التمتع بأعلى مستوى للصحة البدنية والعقلية، وبحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن آثار الاحتباس الحراري تتمثل بخطر نقص الغذاء في المناطق الفقيرة وزيادة الأمراض المنقولة بسبب الأطعمة والمياه والحشرات فضلا عن الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال بسبب الكوارث الطبيعية، كما يبدو انتهاك الحق في المسكن واضحا لفقدانها بسبب الحرائق الكبيرة والفيضانات. كما أن الاحتباس الحراري يهدد وجود البشرية ومستقبلها وهو، بلا شك، نتيجة عملها متمثلا بالدول التي يستوجب عليها، وخصوصا الدول الغنية الكبرى بوصفها المسبب الرئيس له، ان تتضامن لمعالجة الاحتباس والحد من آثاره، لكن للاسف، كغيره من المسائل، وخاصة اذا تعلقت بالمال فإنها تسوّف، وهذا ما دل عليه موقف الرئيس الاميركي ترمب الذي انسحب من اتفاق باريس لمكافحة التغير المناخي وأثار الشكوك في مناسبات عدة بشأن التغير المناخي، وأتذكر في أحد تصريحاته وصفها بالأحلام، وقال: هل نؤثر على عجلة الاقتصاد من اجل احلام، وشتّان ما بين هذا السلوك وسلوك آخر بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية والذي جاء فيه (إنَّ كثيرين من الناس يعكفون حاليًّا على إيجاد حلول خلّاقة وملهمة ومبتكرة لمواجهة تغيّر المناخ. فمن المواطنين مرورًا عبر الشركات وصولاً إلى المدن، هناك أشخاص في جميع أصقاع العالم يعملون بجد على السياسات والحملات والحلول الكفيلة بحماية الناس والأرض... وبوسعنا أن نتعلم منهم، وأن نستفيد، بموافقتهم، من معارفهم لكي ننفخ النشاطَ في جهودنا؛ بغية العثور على طريقةٍ مختلفة للتفاعل مع كوكبنا).
وكان أحد الجهود الدولية بشأن الاحتباس الحراري هو عقد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ لسنة 1992 ، كخطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لم تلبِ الحاجة الحقيقية بشأن المعالجة المطلوبة للاحتباس من حيث خلوها من الرقابة الفعالة بشأن الالتزام بتنفيذ الاتفاقية وغياب التدابير اللازمة لمساءلة الدول الأطراف فيها في حالة الإخلال بالتزاماتها، مما يعني الاستمرار بانتهاك حقوق الانسان وضياع مستقبل الاجياع المقبلة، والتسبب بالمزيد من الأضرار للدول الفقيرة التي تتحمل آثار الاحتباس الحراري دون (أرباحه) ...
(*) باحث قانوني