استغاثتْ بيروت.. واستجابتْ بغداد

آراء 2020/08/15
...

رضوان عقيل *
 
بعد زلزال انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الحالي اليوم الذي جلب شلالاً من الدماء والمآسي للبنانيين سارعت أكثر من دولة عربية وغربية وشرقية الى مساعدة هذا البلد وتضميد جراحه بفعل جبل من الفساد وسوء الادارة في بلد الأرز الذي أنهكته الطبقات والعائلات السياسية التي لن تنتج منظومة تقوم على الاستقرار والديمقراطية. في اختصار يعيش اللبنانيون وسط "ليوجيرغا" على الطريقة "الافغانية" إذ تنشط القبائل في كابول وأخواتها وتعشش الحسابات المذهبية في ربوعنا منذ ولادة لبنان الكبير قبل مئة سنة الى اليوم على أيدي الفرنسيين.
 وبعيداً عن الدخول في التحقيقات الجارية والمفتوحة في أسباب انفجار المرفأ البحري الأول في لبنان توقف أهله عند أسطول المساعدات التي وصلت الى بيروت، إذ عملت أكثر من دولة على مدّه بالمساعدات الصحية والغذائية لمساعدة اللبنانيين الذين تضرروا من هذا الانفجار الذي خرّب ودمّر الآلاف من المنازل وهجّر نحو 300 ألف مواطن من منازلهم وخسائر تقدر بـ 15 مليار دولار اميركي. توقف كثيرون عند هذه المساعدات التي وصلت الى بيروت من أكثر من دولة. صحيح أنها جاءت لأسباب إنسانية وإغاثية لكنها لم تخلُ من الغايات عند توجيه رسائل سياسية وتوجيهها الى التربة اللبنانية التي تغص بالبذور الخارجية من أربع رياح الأرض.
 وكان من الملاحظ أن بلداناً عملت سريعاً على تلبية نداءات اللبنانيين الموجوعين والمقهورين، إذ كان العراق بمثابة الشقيق الحقيقي إذ سارعت حكومته وشعبه وهيئاته الى مد بيروت بـ "أمصال" من المحبة والدعم قبل ارسال كميات كبيرة من الفيول لإنارة منازل اللبنانيين وتأمين الكهرباء لهم في أوقات أكثر من صعبة يجتازونها كل يوم. ووصلت المساعدات العراقية من دون ضجيج او استعراضات إعلامية لأنها صادرة من قلوب مفطورة بالانسانية ومجبولة بعمل الخير. بالفعل لم تقدم بغداد هذه المساعدات من أجل تحقيق أي غايات مذهبية او مناطقية. أرسلت هذا الأسطول من الشاحنات المحملة بالفيول من دون منة، إذ وصلت الى جميع اللبنانيين من دون استثناء ولم تشأ الدخول في لعبة الزواريب الطائفية عندنا. وهذا ما ركز عليه رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الذي يتعاطى مع ملف لبنان بميزان من الألماس وليس من ذهب جراء كثرة التعقيدات في بلد شديد الحساسية، إذ لم تسلم خريطته من لعنة الجغرافيا وحسابات الدول الكبرى. لم يتعاط الرئيس الكاظمي في اتصالاته مع نظيره رئيس الحكومة اللبنانية المستقيلة حسان دياب إلّا بروح وقوف الشقيق الى جانب شقيقه في هذا المحنة - الكارثة التي أصابت لبنان وأبكت الأصدقاء والمحبين.
 وكان لـ "الخط الساخن" المفتوح بين الرئيس الكاظمي وصديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدور الكبير في إسراع العراق بإرسال هذه المساعدات ولا سيما أن الرجلين على قدر عالٍ من تحمّل مسؤولياتهما الوطنية والعربية وسط حرصهما على النهوض ببلديهما والابقاء على خطوط التعاون بين الدولتين والسعي الى تطويرها على الدوام. وكانت قد بدأت اشارات التلاقي بين الشخصيتين عندما زار بري بغداد والعتبات المقدسة في النجف وكربلاء قبل أشهر والتقى الكاظمي عندما كان مسؤولاً عن المخابرات العراقية إبان حكومة الرئيس السابق عادل عبد المهدي. وخرج الرئيس بري آنذاك ليقول وهو في جناحه في المدينة الخضراء في بغداد "كانت جلستي مع الأخ مصطفى من أنضج اللقاءات وأعمقها مع شخصية وطنية عراقية ومسؤولة تعمل لمصلحة بلدها". وقال رئيس المجلس لكاتب هذه السطور "تذكر جيداً الشاب 
(الكاظمي)".
 لم يعبر الكاظمي عند وقوفه الى جانب لبنان عن شخصه وحكومته فحسب بل عن مختلف أبناء العراق وأطيافهم التي تعشق بيروت وهم لا يريدونها مدينة محروقة تغرق بالظلمة ومن دون كهرباء. لسان حال اللبنانيين اليوم "شكراً للعراق" بعدما تحسّنت ساعات التيار الكهربائي في العاصمة وسائر المناطق اللبنانية، حيث أنارت المساعدات النفطية هذه قلوب المواطنين عندنا قبل بيوتهم او ما تبقى منها في عاصمة مفجوعة. ولم يتم ربط الالتفاتة العراقية هذه إلا من بوابة الوقوف الى جانب لبنان من دون أي حسابات سياسية. ولم يلمس اللبنانيون أي إشارة من بغداد عن أي املاءات او فرض شروط على غرار الأسلوب الذي تتقنه أكثر من عاصمة عربية وغربية حيال لبنان الذي اصبح ساحة مفتوحة للعالم وتدخلاته. ولم تعد تنفع صيغة "اللبننة" القائمة على توزيع الحصص والمغانم والمال بين شيوخ القبائل عندنا وان كانوا يرتدون ربطات العنق ويتحدثون اللغات الاجنبية. بعد انفجار مرفأ بيروت في زمن حرب المرافئ في البحرين المتوسط والأحمر تخسر العاصمة اللبنانية المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمشردين. تقف الدول الى جانب هذا الشعب الخلاق المبدع في شتى انحاء المعمورة. بالامس صرخت بيروت وطلبت النجدة وكانت شقيقتها بغداد أول من بكت ولبت وأول من استجابت.
 بعد درس انفجار المرفأ وزلزاله يردد اللبنانيون: شكرا للرئيس الكاظمي وكل مكونات العراق... وشكراً لأصغر فلاح ومواطن في الفرات ودجلة حيث لا ينتج تراب الرافدين إلا سنابل من المحبة والتلاقي التي وصلت طلائعها الى بيروت عروسة المتوسط ولو ارتدت الثوب الأحمر هذه المرة. 
* صحافي وكاتب سياسي لبناني