تعرف ثقافة الركوب المجاني على أنه توفير أساس لمنتفع من دون أنْ يقدم مساهمة مجتمعية أو ضريبة أو تحمل أعباء مالية وغيرها من المساهمات، هذا ما أفادنا به البروفسور الفرنسي مانكور اولسن. وكأنموذج
مثالي على ما تقدم استفادة المزارعين من خلال خلايا النحل في تلقيح أزهار الثمار أو الإفراط في استعمال الأدوية المجانية.
وهكذا تتسع تلقائياً هذه الثقافة على مختلف الصعد الدائرة في نطاق الأخذ من دون مقابل سلباً أو إيجاباً أو اقتناص فرص مجانية مثل الاستفادة من هبوط أو ارتفاع أسعار النفط، كون هذه السلعة لم تحددها عوامل العرض والطلب بل الاعتبارات الستراتيجيَّة.
إننا الآن نخوض تحدياً مباشراً في هذا الميدان؛ أي إعادة نصاب توزيع الثروة للخروج من دائرة جدول المصالح والمصائر، حيث الخطر المحدق بالمجتمع يأتي من الداخل بقدر ما يأتي من الخارج، وإلا ما جدوى كل ما نطرحه أو نختلف عليه من المشاريع والبرامج، إذا كانت لا تحول دون انتشار العنف أو تلويث البيئة أو الحد من الفقر والاستبداد؟.
وهذا يعني أنَّ النهايات هي بعكس البيانات والادعاءات كما تعني، بأنَّ الكل على اختلاف المرجعيات قد أسهموا في الوصول للمأزق. (د.علي حرب/ تواطؤ الأضداد ص62).
فهذه الثقافة لا بدَّ من وضعها في السياق المتناغم كلياً مع العدالة وإلا تصبح مجرد معوقات لتنتهي الى معرقل للتنمية، وغالباً ما تسيس وهنا الخطورة، فعندما نعلم أنَّ هناك (فضائيين) أو ذوي رواتب مزدوجة أو متعددة، ليس لرفع حيف أو لخفض مستوى الفقر، وهكذا في الرواتب الاستثنائيَّة أو المخصصات الخاصة أو لتقاعد مخالف لأبسط شروطه في الخدمة والاستقطاع الشهري وصولاً لامتيازات العنوان.
عندها تمتد هذه الظاهرة لتصبح ثقافة وبيئة حاضنة لجميع أنواع المجانية أو الغنائميَّة «كخطر يهدد ويحيق بنا اقتصادياً واجتماعياً» لنصبح متوزعين كزبائن للخارج لتتعمق الظاهرة وتكرس كخطر يواجه البناء الأساس للاقتصاد الحقيقي كحجر ثابت للتكامل يفرز لنا تخادماً داخلياً على حساب تخادمات خارجية.
وكنتيجة لهذا التشوه تفاقم لدينا الاقتصاد الموازي الذي يستفاد من خروجه كلياً من سلطة الضريبة ومن دون أعباء مالية أو مساهمات يدفعها ليصبح ركوبه مجانياً غير طبيعي مثل علاقة النحالين بالمزارعين. فقد كان وما زال هذا الركوب المجاني لأهل الاقتصاد الموازي كاملاً فهو يستفاد مما يقدمه القطاع العام وعلى حساب موازناته إنْ لم يكن معرقلاً.
الظرف الاستثنائي يفرز عادة تواطؤ الأضداد، والآن
بات أمر الركوب المجاني بإعادة هيكلته بعدالة أو إخراجه من جدولة المصالح كثقافة سامة ونتيجة للفهم
الخاطئ لمجانية الركوب لغير مستحقيها شرعاً
ودستورياً.