الصباح/ وكالات
طوَّر مهندس عراقي في إطار مشروع شركته الطموح، تقنية لتحميص أول كوب قهوة في الفضاء الخارجي في خطوة لتحسين آليات تحضير الطعام في ظروف انعدام الجاذبيَّة، ما يفتح آفاقًا جديدة تسهل مهمة رواد الفضاء خلال رحلاتهم أو إقامتهم في محطة الفضاء الدوليَّة.
حقبة الفضاء الجديد
ولطالما كان سباق الفضاء محصورًا على الحكومات والدول المتقدمة، ومقتصرًا على تطوير تقنيات الأقمار الاصطناعية ونظم الاتصالات، ولكن منذ بداية الألفية الجديدة، بدأت حقبة جديدة يسميها المتخصصون حقبة الفضاء الجديد، إذ فُتِحت أبواب الفضاء للدول الناشئة والشركات المتوسطة والصغيرة، التي بدأت بطرح أفكار رائدة غير تقليديَّة تسعى لتسخير الفضاء الخارجي لخدمة البشريَّة على سطح الأرض.
ويصب مشروع شركة "سبيس روسترز" الناشئة (مقرها في سان دييغو جنوب ولاية كاليفورنيا الأميركيَّة) في هذا الإطار.
وتعتمد فكرة الشركة على وضع حبوب القهوة الخضراء في كبسولة خاصة، وإطلاقها إلى الفضاء الخارجي على متن صاروخ فضائي، ثم يُعاد توجيهها إلى الغلاف الجوي للأرض، مع تسخير الحرارة الناتجة عن اختراق الغلاف الجوي وتخفيضها لتكون مناسبة لعملية التحميص، ثم استرجاع الكبسولة بعد سقوطها على سطح البحر، وتقديم القهوة الفضائيَّة في المرحلة الأخيرة، في مقهى المركبة الفضائية الذي تخطط الشركة لافتتاحه في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2020.
وقال مؤسس الشركة المهندس العراقي، حاتم علاء حسين الخفاجي: إنَّ "تحميص كوب قهوة في الفضاء الخارجي، فكرة مبتكرة وهي الأولى من نوعها عالميًا، وستعود منافعها على سكان الأرض وبحوث الفضاء
المستقبليَّة".
ثورة القهوة
وأضاف إنَّ "فكرة المشروع بدأت خلال نقاش مع زميلي خلال دراستي لماجستير علوم الفضاء في جامعة الفضاء العالميَّة في فرنسا، وبعد اطلاعنا على دراسات عدة تشير إلى إهمال عامة الناس لمجال الفضاء، إذ تبقى عوائد أبحاث الفضاء وفهم تقنياته محصورة في مهندسي وعلماء الفضاء المتخصصين، ما دفعنا للبحث عن فكرة تساعدنا على إلهام الناس حول العالم بأهمية استكشاف الفضاء الخارجي، ولفت أنظارهم إلى قدرة تقنيات الفضاء على تحسين حياتنا اليومية في جوانب عدة".
وتابع "نعمل على إحداث ثورة في مجال تحميص القهوة، بتطوير الطريقة التقليدية المُتبَعة لمئات السنين، من خلال تسخير علوم وهندسة الفضاء، في محاولة للفت الأنظار إلى إمكانيات تطوير آليات الطهو في الفضاء الخارجي، إذ تغيب حاليًا الأبحاث عن تأثير الجاذبية وانعدامها في طهو الطعام، ويعتمد رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية كليًا على الطعام المحفوظ والمجمد لمدة 6 شهور كحد أقصى، ومستقبلًا عندما يضطر رواد الفضاء على البقاء فترة أطول في محطة الفضاء الدولية أو في مستعمرات القمر والمريخ المستقبلية، ستبرز الحاجة الملحة لطهو مختلف أنواع الطعام؛ فكرتنا في المشروع، فتح باب البحث في هذا المجال وفهم كيفية تطوير تقنية سنحتاجها في المستقبل".
مقهى الفضاء
وتستند فكرة تحميص حبوب القهوة في الفضاء الخارجي في بيئة خالية من الجاذبية، على استخدام الحرارة الناتجة عن إعادة دخول الكبسولة إلى الغلاف الجوي، وسيرفع انعدام الجاذبية فعالية عملية التحميص بنسبة 100 %، مع انتشار الحرارة بالتساوي على سطح حبة القهوة، لتمتد إلى قلب حبة القهوة بالمعدل ذاته، ما يمنحها تحميصًا مثاليًا.وصممت الشركة كبسولة خاصة لتطبيق التجربة، وسجلتها كبراءة اختراع في الولايات المتحدة، وذكر الخفاجي أنَّ "الفكرة نالت تقدير لجنة مكتب براءات الاختراع كونها فريدة من نوعها في مجال الفضاء، ونعتزم طرح المنتج الجديد بعد تحميصه لسكان دولة الإمارات، في مقهًى فضائي مليء بالإلهام والإبداع، جامعًا الناس ليناقشوا علوم الفضاء حول كوب من القهوة الفضائية".
جملة من العقبات
ولأنَّ المشروع يعتمد بشكل أساسي على هندسة وتقنيات الفضاء الخارجي؛ وهي مجال حديث مقارنة بالمجالات الهندسية والعلمية الأخرى، تبرز جملة من العقبات أمام تنفيذه؛ أبرزها ضرورة اختبار تقنية خاصة بالتحميص في بيئة خالية من الجاذبية، على مراحل قبل إطلاقها في الفضاء الخارجي، ولأنَّ المشروع هو الأول من نوعه، فإنَّ كيفية تفاعل حبوب القهوة مع الحرارة الناتجة في ظل غياب الجاذبية هو أمر جديد ولا توجد أية بيانات موثقة في هذا المجال. إلا أنَّ الخفاجي أكد أنَّ "الدراسات الأوليَّة تشير إلى أنَّ فعالية التحميص ستزداد وستحسن جودة حبوب القهوة المحمصة. مع بقاء احتمال أنْ يكون هناك تغيير في وقت التحميص اللازم أو درجة الحرارة المستخدمة".
وقال الخفاجي: إنَّ "الجزء المتعلق بتسخير حرارة إعادة الدخول للغلاف الجوي لتحميص حبوب القهوة بتقنية التشتت الحراري لدرع الدخول الجوي، هو الأصعب لأنَّ الحرارة الناجمة عن دخول الغلاف الجوي قد تصل إلى 2900 درجة مئوية، ويجب أخذ الحرارة الناتجة والتحكم بها بعين الاعتبار لنتمكن من تحميص القهوة بشكل مثالي. وهو شيء لم تفعله أي وكالة فضاء عالمية حتى الآن، إذ إنَّ الطريقة المتبعة، هي وضع درع حرارية لوقف تدفق هذه الحرارة بشكل كامل إلى الكبسولة الفضائية".
تطبيقات مستقبليَّة
ويبدو أنَّ مشروع الخفاجي لا يهدف لتحسين عملية تحميص القهوة بتقنيات الفضاء فقط، بل يسعى ليكون بوابة لجملة من الابتكارات والتطبيقات المستقبلية، ومدخلًا لبحوث مستقبلية عدة في مجال تحضير الطعام في الفضاء الخارجي لرواد الفضاء حاليًا وسكان الفضاء
مستقبلًا.
وأضاف الخفاجي إنَّ «طموحنا للعيش فترات طويلة على سطح القمر والمريخ يفرض علينا تحضير طعامنا، ونعمل من خلال مشروعنا على تحضير الإنسانية لكي تصبح أمة ممتدة بين الكواكب والمجرات مستقبلًا، وننشر حب علوم الفضاء بين عامة الناس".