الوعي الانتخابي

آراء 2020/08/17
...

زهير كاظم عبود 
أضحت المطالبة بانتخابات مبكرة مطلبا شعبيا  ضمن الاحتجاجات والتظاهرات التي عمت جنوب ووسط العراق، استجابت الحكومة التي يرأسها السيد مصطفى الكاظمي لهذا المطلب، وأعلن السيد رئيس الوزراء  موعدا لا يتجاوز شهر تشرين الأول من السنة المقبلة 2021  لاجراء مثل تلك الانتخابات . 
يقول بعض من الداعمين لمطلب إجراء الانتخابات المبكرة إن الكتل السياسية ستفقد الكثير من مقاعدها ووجودها ضمن مراكز السلطة في العراق، ويقول آخرون إن الانتخابات المبكرة في ظل وجود الفساد والأوضاع الاقتصادية  المتردية وهيمنة بعض الأحزاب الكبيرة المهيمنة على المال  والسلاح وعلى مراكز القرار لن تضعف من قوتها ولن تؤثر في عدد مقاعدها في مجلس النواب . 
وثمة محاور مهمة  يكون لها التأثير الفعلي في مسألة الانتخابات سواء المبكرة منها او في موعدها المقرر قانونا، وهما قانونا الانتخابات وتهيئة مفوضية للانتخابات مستقلة حقا وقادرة على قيادة دفة الانتخابات بشفافية ونزاهة، ويمكن الاعتماد على قدرات وإمكانيات مجلس القضاء الأعلى بالاشراف على هذه الانتخابات لما له من تجربة في هذا المجال، وإنجاز قانون المحكمة الاتحادية العليا إضافة الى ضرورة نشر الوعي الانتخابي الشعبي لتحقيق الغاية المنشودة من تمثيل الشعب العراقي تمثيلا يحقق بدقة المهمة التشريعية التي تقود البلاد ضمن المحاور الثلاثة للسلطة الاتحادية ، وأكثر الأمور التي تسهل عملية الانتخابات توفر التخصيصات المالية التي تساند اكتمال هذه العملية في موعدها المقرر، وفي عملية نزع السلاح الخارج عن إطار الحكومة والقوات المسلحة . 
ولا يخفى على المتابع المعاناة التي يعانيها الشعب العراقي في ظل أوضاع يفتقد فيها الى واقع الخدمات الأساسية  المتردي، والتي لم يجد لها حلا مقبولا ومنطقيا ومتناسبا مع ما يدخل الى الخزينة العراقية يوميا، فالكهرباء تكاد تكون معضلة دائمة  وهي عصب أساسي للحياة، والبطالة تنخر  أغلب فئات المجتمع وتعرقل كل أحلام  وتطلعات الشباب وخريجي الكليات والدراسات العليا، وبغداد العاصمة واغلب مدن العراق تعيش واقعا مترديا تغيب فيه الخدمات البلدية، والواقع الصحي الذي كشف للناس السلبيات التي يعاني منها في ظل نقص الأجهزة والأدوية والمستلزمات الطبية ، اضافة الى عدم وجود مستشفيات ومراكز صحية تليق بالعراقي وتواجه زيادة السكان وقادرة على مواجهة   الأوبئة  والأمراض التي تفتك بالناس، والتعليم تراجع بما يحز النفس، والواقع الاقتصادي لم يجد إصلاحا وفق الأسس الحديثة، فلا مصادره تنوعت ولاقطاعه الخاص تم تشجيعه، ولم نلمس استثمارا فعليا في البلاد.  
وإذا كان الوعي الانتخابي ضرورة مهمة في هذه الانتخابات، فان الحقيقة المرة التي لا بد من مناقشتها تكمن في القصور الملموس بحالة الوعي الانتخابي، وحالة الوعي الانتخابي متزامنة مع حالة الوعي بقضية الحقوق الدستورية وحقوق الإنسان بشكل عام ، ولعل ما يستذكر لنا تجربة الانتخابات السابقة في العراق مثالا على نقص الوعي في المجتمع العراقي، والدليل هو نتائج تلك الانتخابات بفوز كتل وأسماء لم ترتق لمستوى عملية التشريع المطلوبة بتأدية مهمة عضو مجلس النواب القانونية بتفان وإخلاص والحرص على صيانة الحريات العامة والخاصة واحترام القضاء، وبما يمثل كل العراقيين من دون 
تمييز .
ومهمة نشر الوعي الانتخابي لا تقع فقط على عاتق الحكومة العراقية ولا على دوائر الانتخابات، إنما تقع المهمة الأساس على عاتق منظمات المجتمع المدني، التي ينبغي أن تشمر عن سواعدها في ظل هذه الظروف لتنزل الى الشوارع والى جميع فئات الشعب تبسط لهم المهمة وتشرح لهم الضرورة من هذه الانتخابات، مع توضيح مساوئ شراء الأصوات ومواجهة التهديدات ووسائل الخداع ونشر الأكاذيب، التي تشوه وجه العملية الديمقراطية والانتخابات بشكل عام، إضافة الى الدور المهم والواعد لوسائل الاعلام  المتمثل بالصحافة والفضائيات في هذا المجال الوطني ، حتى يمكن تحقيق نسبة محترمة من الناخبين لاختيار من يمثلنا في السلطة التشريعية المقبلة . 
ولسنا بصدد الخوض في الأداء السلبي لعدد غير قليل من الأعضاء، والتباري في الظهور الإعلامي لتبادل الاتهامات والطعون بعيدا عن المهمة والمركز التشريعي الذي صار إليه، ولأننا مقبلون على عملية انتخابية جديدة تستهدف إعادة تصحيح مسار العملية السياسية التي تكمن في وجود من يراعي مصالح العراقيين ويحرص على نظامهم الديمقراطي، وان يكون واعيا للمهمة التشريعية التي ترتقي بالبلاد الى مستوى يعبر عن وجود مجلس للدولة الاتحادية المستقلة، على ألا يغيب عن بالنا ضرورة تشريع مجلس الاتحاد الذي حددته المادة ( 65 ) من الدستور، والذي أجلت المادة ( 137 ) من الدستور العمل بأحكامه، حتى تنتهي الدورة الأولى من مجلس النواب ونحن على أعتاب الدورة الخامسة من المجلس من دون تبرير قانوني أو منطق مقبول للسكوت عن تنفيذ هذا النص، إذا كنا نطمح حقا لتأسيس دولة يحكمها القانون والدستور.