أنقرة وموسكو تدشنان 2019 بشراكة في سوريا

قضايا عربية ودولية 2019/01/03
...

 
اسطنبول / فراس سعدون
 
بعد أن استقبلت موسكو مطلع الأسبوع الجاري أرفع وفد يمكن أن يرسله الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتنسيق بشأن التحرك التركي المترتب على الانسحاب الأميركي من سوريا، والمتطلع لضرب التنظيمات الكردية المعادية لأنقرة في غرب الفرات وشرقه؛ كشفت رسالة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى إردوغان، عن تثمين للجهود المشتركة في سوريا.
ويأتي تجديد العهد بالشراكة التركية - الروسية في وقت تواصل فيه القيادة العامة للقوات المسلحة التركية إرسال قطعات عسكرية معززة بالمعدات الثقيلة صوب سوريا بانتظار ساعة الصفر، وسط تشكيك أوساط صحفية تركية بموافقة روسيا على أي توغل عسكري تركي جديد في سوريا من دون أن تكون مصالحها أولاً.
 
رسالة بوتين لإردوغان
وقال بوتين لإردوغان، في رسالة تهنئة بمناسبة العام الجديد: إن “الجهود المشتركة لموسكو وأنقرة تسهم بشكل حاسم في مسيرة الحل السياسي ومكافحة الإرهاب في سوريا”.
ورحب بوتين بالتطور الناجح في العلاقات التركية الروسية، مشيرا إلى وجود خطط جديدة للعلاقات الثنائية، ليس في سوريا فحسب، بل خارجها أيضا.
وذكر “أنا على ثقة بأن روسيا وتركيا ستواصلان تعزيز الأمن في أوراسيا جنبا إلى جنب”.
وتطرق الرئيس الروسي إلى المصالح الاقتصادية الرابطة بين البلدين، ومنها الاستمرار في بناء محطة آك كويو للطاقة النووية في تركيا، والجزء البحري لمشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
 
ما حققه صقور أنقرة في موسكو
وشهدت موسكو، السبت الماضي، مباحثات بشأن سوريا مثّل الجانب التركي فيها 4 من صقور أنقرة وأقربهم إلى إردوغان وهم مولود جاووش أوغلو وخلوصي آكار، وزيرا الخارجية والدفاع، وحقان فيدان، رئيس المخابرات، وإبراهيم كالن، المتحدث باسم إردوغان، في حين مثل الجانب الروسي وزيرا الخارجية والدفاع، ورئيس الأركان، ومبعوث بوتين إلى سوريا.
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية التركية بأن المباحثات، التي جرت في مقر وزارة الدفاع الروسية، ركزت على “العمل المشترك” خلال مرحلة “الانسحاب الأميركي المُعلَن”، ووضع محافظة إدلب، والتطورات في غرب الفرات وشرقه، حيث منبج وكوباني ومعاقل أخرى للتنظيمات المسلحة الكردية، وخطط العمليات العسكرية التركية ضد تلك التنظيمات.
وقال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، عقب المباحثات: إن تطهير سوريا من “التنظيمات الإرهابية” هدف تركي – روسي، مؤكدا استمرار بلاده في العمل مع كل من روسيا وإيران في سوريا وعموم المنطقة.
وأوضح “باعتبارنا ضامنين لمسار آستانا، فإننا ندافع عن وحدة تراب سوريا وكيانها السياسي، ونعارض جميع الجهود التي من شأنها الإخلال بهما”.
وينظر بشكل واسع إلى أن ما حققه الأتراك مع الروس والإيرانيين في سوريا أكبر بكثير مما حققوه مع الأميركان، فبينما خرجت محادثات جنيف عن الفاعلية؛ تكللت محادثات آستانا والقمم التركية – الروسية – الإيرانية باتفاقات أنهت القتال، ومنعت التوتر، ومكنت دمشق من استعادة سيادتها في حيز كبير من الأراضي السورية.
وأضاف جاووش أوغلو أن المباحثات راجعت مخرجات مساري آستانا وسوتشي، مؤكدا أهمية الالتزام باتفاق سوتشي بشأن وضع إدلب لتحقيق الهدوء، والمضي قدما في المسار السياسي، ومنه تشكيل لجنة لصياغة دستور سوري جديد. وكان ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، صرّح بأن قمة رؤساء تركيا وإيران وروسيا الضامنة لعملية آستانا ينبغي أن تعقد في روسيا خلال الأسبوع الأول من العام المقبل، معقبا “هذا يتوقف على جدول أعمال الرؤساء”.
وتولي روسيا أهمية لتوسيع رقعة سيطرة دمشق على الأراضي السورية، بالرغم من وجود عزيمة تركية على التوغل فيها.
وقال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، عقب المباحثات مع الأتراك: “اليوم تم التوصل إلى تفاهم بشأن كيفية مواصلة الممثلين العسكريين لروسيا وتركيا تنسيق خطواتهم على الأرض في ظل الأوضاع الجديدة بهدف القضاء في نهاية المطاف على التهديد الإرهابي في الجمهورية العربية السورية”.
وأظهر لافروف تمسك روسيا بالمسار السياسي في سوريا، مبينا “قيّمنا سير العملية السياسية التي اكتسبت زخما كبيرا بعد مؤتمر الحوار السوري في إطار مسار آستانا”، منوها بأن الدول الضامنة تبذل قصارى جهدها لتشكيل لجنة صياغة الدستور السوري الجديد.
 
تعزيزات عسكرية تركية وضوء “أحمر” روسي
وتواصل القوات المسلحة التركية إرسال تعزيزات لقطعاتها العسكرية عند الحدود مع سوريا، وداخل الدولة الجارة، منذ أن تحدث إردوغان، هذا الشهر، عن قرب إطلاق عملية عسكرية جديدة ضد التنظيمات الكردية في سوريا.
ووصلت آخر دفعة من التعزيزات، أمس الأربعاء، إلى ولايتي غازي عنتاب وماردين الحدوديتين مع سوريا، متضمنة ناقلات جنود مدرعة، وشاحنات محملة بالعتاد، وخزانات وقود.
وودع وزير الدفاع التركي عام 2018 بجولة تفقدية للقوات المنتشرة عند حدود سوريا وداخلها، رفقة خلفه يشار غولار، رئيس الأركان، وقادة القوات البرية أوميد دوندار، والبحرية عدنان أوزبال، والجوية حسن كوچوك آكيوز.
وصرح أكار من هناك بأن “الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الوضع في محافظة إدلب بين الرئيس رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، حال دون وقوع مأساة إنسانية جديدة في سوريا”، مجددا تأكيده بأن أنقرة لن تسمح بتأسيس “كيان معادٍ” شمالي سوريا.
وعلى الرغم من التعزيزات العسكرية التركية الكاشفة عن معركة وشيكة فإن صحيفة حريت ديلي نيوز التركية الصادرة باللغة الانجليزية ذهبت إلى أن العملية العسكرية المحتملة في سوريا غير مرحب بها.
وكتب سركان دميرتاش، مدير حريت ديلي نيوز، أن “الدول الضامنة لآستانا أو القوى الغربية لا تميل نحو هجوم عسكري تركي جديد في سوريا”، مضيفا “ومع ذلك، فقد أوضحت تركيا، عدة مرات، أن تصميمها على تطهير شرق الفرات من وحدات حماية الشعب لن يتغير، على الرغم من أن النظام السوري سيخترق هذه المناطق”.
وعزا دميرتاش مواصلة تركيا تعزيز مواقعها على الحدود مع الضغط على الولايات المتحدة لتنفيذ خارطة طريق منبج خلال عملية الانسحاب من سوريا إلى “تمكين القوات التركية والجيش السوري الحر من السيطرة على المنطقة المذكورة (منبج)”.
وتوقع كاتب العمود الثابت في الصحيفة أن تضغط موسكو على أنقرة لتعليق عمليتها العسكرية من أجل عدم تعقيد الوضع في الميدان، مفسرا هذا الضغط بأنه “الضوء الأحمر المحتمل لروسيا ضد أي توغل عسكري محتمل للجيش التركي”.
وأشادت صحيفة آكشام التركية بسياسة إردوغان في سوريا.
وعدّ ماركار أسايان، في مقال كتبه للصحيفة، أن “تركيا نجحت في الوصول إلى النتيجة المطلوبة في سوريا من خلال استخدام قوتيها الناعمة والخشنة بشكل فعال ومتزن”. 
وعدت صحيفة صباح التركية روسيا أكثر بلد يستفيد مما يجري في 
سوريا.
ونبهت هلال كابلان، الكاتبة في الصحيفة، على أن العلاقات التركية – الروسية ستشهد منعطفا، وأن مستقبلها سيرتبط بموقف موسكو في المرحلة المقبلة.