للكبار فقط

آراء 2020/08/18
...

كريم شغيدل

الدعوة إلى انتخابات مبكرة كانت مطلباً أساسياً للحراك الشعبي، وقد سعى السيد رئيس الوزراء لجعلها واقع حال، وسط العديد من الاعتراضات والتحفظات، وبغض النظر عن ملابسات التوافق على موعدها أو كيفية إجراءاتها، فإنَّ السؤال المهم هو: إذا افترضنا بأنها تمت بموعدها المقرر في شهر حزيران من العام المقبل، وأنها نجحت على وفق المعايير العامة، فهل ستكون مخرجاتها مختلفة عما هو سائد؟ وطبعاً مقولة المجيء بطبقة سياسية جديدة هي ضرب من الخيال.
 مهما كانت نسبة المشاركة ومهما كانت القوانين فإنَّ الطبقة السياسية التي تمسك بزمام الأمور منذ 2003 حتى يومنا هذا لا يمكنها التخلي عمَّا تراه مستحقات شرعية، ومهما كان مستوى القوى المدنية الناشئة فلن تشكل خصماً قوياً لتلك القوى التي تمسك بالأرض والمال والسطوة والتي لها تأثيرها العاطفي الطائفي والديني والعرقي على قاعدة عريضة سواء من المستفيدين أم من بسطاء الناس.  اللعب على المشاعر الطائفية سيكون السلاح الأول للقوى التقليدية التي حكمت البلد منذ سقوط النظام الدكتاتوري، إلى جانب الترهيب والترغيب، والمال السياسي، والتزوير، وفرض الإرادات في المناطق ذات الكثافة السكانية التي يتوزع فيها غالبية المواطنين إلى أتباع ومريدين ومشجعين للقوى السياسية ذاتها.
 عملية إنتاج طبقة سياسية جديدة أمر أكثر من عسير، ما لم نقل مستحيلاً، فالفساد أنتج طبقة رأسمالية غير مستعدة للتخلي عن مكتسباتها وامتيازاتها، أو على الأقل ضمان بقائها بعيداً عن سلطة القانون، ذلك أنَّ أية حكومة مقبلة مهما امتلكت شرعيتها واستقلاليتها، قد تستطيع إيقاف بعض الفساد، أو محاسبة بعض المتورطين الصغار، لكنها ستبقى عاجزة عن ملاحقة الحيتان الكبيرة التي بنت دعائم وجودها على ركيزتين هما: المال السياسي القادم من الخارج والمال المستحصل من الفساد.
 تساؤلات البعض بشأن الموعد قد تكون واقعية وقد تكون لإثباط الهمم، فشهر حزيران هو شهر الامتحانات الدراسية، والمعتاد هو تحويل المدارس إلى مراكز اقتراع، وماذا بشأن الحظر والوباء؟ من يضمن انفراج أزمة كورونا بلقاح أو بالقضاء على الفيروس اللعين؟ قد تكون الامتحانات إلكترونية، طيب لم لا تكون الانتخابات إلكترونية أيضا؟ هل تمتلك الحكومة ما يكفي لإقناع قادة الكتل أو تصفير المشكلات العالقة للتوافق على إجراء الانتخابات؟ هل تمتلك المفوضية العليا للانتخابات الإمكانات المادية والفنية واللوجستية لإنجاح العملية؟ والأهم من هذا كله هل ستحافظ على استقلاليتها وأعضاؤها أصلاً مرشحو كتل؟ هل سيقف الفاسدون وتجار السياسة مكتوفي الأيدي ولا يوظفون أموالهم كالعادة بشراء الأصوات والذمم؟
 المواطن العراقي أمامه فرصة، بشرط ضمان معايير الشفافية والاستقلالية والنزاهة، لاختيار عدد من المستقلين الذين قد يشكلون صمام أمان أمام هيمنة الكتل الصلدة، لكن واقعياً القانون إلى جانب الكبار، وستكون قوى الخارج داعمة لهم، إذ لا تعول على الوجوه الجديدة، وربما يبقى الحال كما هو عليه، ويبقى البرلمان والحكومة للكبار فقط.