العتبة الحسينيَّة تستعد لتقديم مراسيم تبديل الراية الشريفة من دون تجمهر الزائرين

استراحة 2020/08/19
...

كربلاء/  سعاد البياتي
إنه يوم استثنائي بكل المعاني التي قيلت وتقال عن هذه الفعالية المؤلمة وهي تحاكي عباب الريح وتلامس هواء الشهادة والكبرياء. فالوقت الذي يتم فيه تبديل الراية المباركة للإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) ليس عادياً، فكل دقيقة ترتفع فيها الأكف وتسري فيها الراية شيئاً فشيئاً الى أعالي الفضاء تنحني إليها هاماتنا إكراماً وتقديساً لأبي الأحرار «عليه السلام»، ومديات التضحية التي قدمت في شهر محرم الحرام، تلك الذكرى الموجعة التي تتجدد كل عام وتحييها العتبات المقدسة في العراق والعالم الإسلامي
اعتذار
إلا أنَّه في هذا العام أعلنت العتبتان الشريفتان، اعتذارهما من عدم إقامة مراسيم تبديل راية الإمام الحسين عليه السلام للعام الهجري الجديد بسبب انتشار وباء كورونا والظروف الصحية التي يمرُّ بها العراق والعالم.
«الصباح» التقت نائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة أفضل الشامي الذي قال: «حفاظاً على أرواح الزائرين والمعزين فقد أعلنت الأمانتان الشريفتان الاعتذار لمراسيم تبديل الراية، فضلاً عن التزامهما بالإجراءات الصحية وتوجيهات المرجعيَّة الدينيَّة العليا، وإذ تقوم العتبة المقدسة بذلك فهو من أولويات مسؤوليتها تجاه الزائرين الذين يجتمعون كل عام من محبي أهل البيت والمعزين في الأول من محرم الحرام لحضور تلك المراسيم الخالدة.. لذا ارتأينا أنْ يتم تبديل الراية بشكل اعتيادي من دون تجمهر الآلاف، وفي الوقت والزمان المحددين بعد صلاة العشاءين ليلة الأول من محرم الحرام».
من جانبه أوضح مسؤول مركز تنسيق المواكب الحسينية بالعتبة المطهرة فاضل أبو دكة، أنَّ «هذا القرار جاء بعد عدة لقاءات واجتماعات مع المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة والجهات الرسمية والأمنية في محافظة كربلاء، فضلاً عن عددٍ من كفلاء وأصحاب المواكب والهيئات الحسينية التي كانت في الأعوام السابقة تقيم هذه الفعالية بمراسيم كبيرة وحاشدة».
وتنشر المئات من اللافتات والرايات السوداء التي تحمل شعارات النهضة الحسينية الشريفة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام عن واقعة عاشوراء وبعض المقاطع من زيارتي عاشوراء والناحية المقدسة داخل الصحن الشريف ومنطقة ما بين الحرمين الشريفين، وهي تقاليد عاشورائيَّة اعتاد عليها أهالي كربلاء والمناطق الأخرى من البلاد، فضلاً عن إقامة مراسيم تقديم الطعام والثواب بشكل هادئ ومن دون تجمعات كبيرة.
 
شموخ سارية
ولوحدة الخياطة والتطريز في العتبة الشريفة حضورٌ فعالٌ في تهيئة الراية الشريفة وإعدادها لتعتلي قبة أبي الأحرار بشموخ وإباء، إذ يبلغ طول سارية القبة الشريفة 3.90 متر، بينما يبلغ عرضها 3 أمتار، وتصنع من قماش «الستان» الفاخرالذي يقاوم تقلبات الأجواء الطبيعيَّة، وتقوم وحدة الخياطة والتطريز التابعة لقسم الصيانة في العتبة الحسينية المقدسة بخياطتها حصراً، وتبذل في ذلك جهداً كبيراً لإظهارها بالصورة المطلوبة والمعبرة عن شهر الأحزان.
وتمنح الراية المباركة بعد انتهاء شهري محرم وصفر الى المتاحف العالمية أو المتسابقين والفائزين في دورات القرآن الكريم وممن له حظوة في ذلك الشرف
وللوفود أيضاً.
 
دلالات ومعانٍ
في الأعوام الماضية وقبل الوباء اللعين كانت تسود المكان أجواءٌ من الحزن والأسى، وتشهد الفعالية الكبيرة احتشاد الآلاف من المعزين لآل بيت المصطفى إيذاناً ببدء
شهرعاشوراء.
ويشهد تغيير الراية حضور شخصيات دينية ورسمية وحشد كبير من المؤمنين الذين يتواجدون بالقرب من مرقد أبي عبد الله الحسين «عليه السلام»، فضلا عن إلقاء القصائد والمرثيات في صحن سيد الشهداء وتعطي مناسبة تبديل الراية الحمراء بأخرى سوداء الكثير من الدلالات الرمزية والعقائديَّة، إذ تشير الى الحزن على ما جرى لأبي عبد الله وأهل بيته وصحبه في ملحمة الطف الخالدة، وهي لدى آخرين قاموس يذكر الأحرار في كل العالم بضرورة الثأر للإمام الشهيد، ليس من سل السيف عليه وعلى أهل بيته وأصحابه فقط في ملحمة كربلاء، بل من كل ظالم على وجه الأرض، فشهادة الحسين صرخة بوجه الظالمين في كل مكان.
 
تقليد عقائدي
المشرفون والقائمون على تبديل الراية كل عام بينوا لـ»الصباح» أنَّ مدينة الإمام الحسين اعتادت كل عام على إحياء ذكرى فاجعة كربلاء بدءاً باستبدال الراية الشريفة لما فيها من دلالات عقائديَّة على أنَّ الشهيد لم يؤخذ بثأره بعد من قبل، وهو تقليدٌ قديمٌ جداً للقبائل العربيَّة.. كما أنها دلالة على إعلان الحزن والتذكير بما حدث لآل بيت النبوة من قتلٍ وتشريد، إلا أنَّ هذا العام ستقام الفعالية على استبدال الراية الحمراء الى سوداء بشكل اعتيادي من دون أي مراسيم كبيرة أو حشود جماهيريَّة ووفق آلية بسيطة للاستبدال. وجاء هذا الترتيب تماشياً مع إجراءات حماية المعزين والحد من انتشار وباء كورونا بين المعزين وحفاظاً على أرواح المواطنين، آملين من المعزين والمواطنين الالتزام بإجراءات العتبة المقدسة وعدم التجمهر في
يوم تبديل الراية».
 
أطباء مختصون
وعلى صعيد ذي صلة كشفت وحدة تخطيط حركة الزائرين التابعة لقسم حفظ النظام في العتبة الحسينية المقدسة عن خططها لتأمين وحماية الزائرين والمعزين من خطر فيروس (كورونا) خلال أداء مراسيم العزاء وزيارة عاشوراء.
وقال مسؤول الوحدة المهندس ميمون موفق:، إنه «بتوجيه مباشر من قبل ممثل المرجعية الدينية العليا، والمتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وضعت وحدة تخطيط حركة الزائرين التابعة لقسم حفظ النظام في العتبة الحسينية المقدسة خططاً وبرامج تتناسب مع الوضع الصحي في البلد بسبب تفشي جائحة كورونا تهدف الى حماية المواطنين وكيفية التعامل مع توافد المواكب الحسينية والزائرين لإحياء مراسيم شهر محرم الحرام».
واضاف «تم تشكيل خلية عمل متكاملة تضم مجموعة من الملاكات الطبية والصحية المتخصصة بالأمراض (الوبائية) من خلال التنسيق مع مستشفى الإمام زين العابدين (عليه السلام) التخصصي والعمل على وضع قواطع مخصصة للتباعد ولحماية الزائرين خلال إحياء مراسيم شهر محرم الحرام، والعمل بالإجراءات الصحية والتباعد الاجتماعي والالتزام بالإرشادات الطبية التي أكدت عليها المرجعية الدينية العليا والجهات الصحية من خلال ارتداء الكمامات والكفوف للحذر من الإصابة بفيروس
(كورونا)».
وبين أنه «سيتم العمل على تهيئة الظروف الصحية للزائرين من خلال تجهيز الزائر بالكمامات، والكفوف، وإعطاء كل زائر تربة خاصة به لأداء فريضة الصلاة للحفاظ على سلامته، مع نصب أجهزة تعفير حديثة ومتطورة يمر من خلالها الزائر قبل دخوله إلى الصحن الحسيني الشريف».
 
كاميرات حديثة
ونوه إلى أنه «تم إعداد خطط خاصة للمواكب المشاركة في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) أثناء دخولهم إلى العتبة الحسينية، وتم نصب أجهزة وكاميرات حديثة متطورة ذات كفاءة عالية تقوم بالكشف عن درجة حرارة جسم الإنسان وتساعد على عدم لمس الزائرين أثناء دخولهم
للمرقد الشريف».
وأشار إلى أنه «تم تدريب عدد من منتسبي العتبة الحسينية المقدسة والمتطوعين على الخطط التي سيتم العمل بها لهذه السنة وكيفية التعامل مع الزائرين والمعزين أثناء أداء الصلاة والزيارة ومراسيم العزاء، أو أثناء تواجدهم داخل الصحن الحسيني مع نشر عددٍ من البوسترات والإعلانات والإرشادات الصحية التي أوصت بها المرجعية الدينية العليا والجهات الصحية».
يذكر أنَّ العتبة الحسينية المقدسة، تقوم بشكل متواصل بادخال أحدث التقنيات الالكترونية والاجهزة والمعدات للعمل ضمن الخدمات التي تقدمها مؤسساتها وأقسامها ومراكزها للزائرين، وذلك بحسب توجيهات ممثل المرجعية الدينية العليا، والمتولي الشرعي للعتبة المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي والتي أكد من خلالها تقديم أفضل
الخدمات للزائرين.
 
مجالس عزاء
وشهدت عدد من الحسينيات في مدينة كربلاء المقدسة إحياء المجالس الحسينية مع مراعاة الالتزام بالشروط الصحية التي أوصت بها المرجعية الدينية العليا، ووزارة الصحة.
وقال رائد الصباغ، أحد القائمين على مجلس العزاء في حسينية الشكرجي: «مع حلول شهر محرم الحرام وتجدد ذكرى فاجعة استشهاد الامام الحسين واهل بيته الاطهار (عليهم السلام) أقام أهالي كربلاء مجالس عزاء في ظل تفشي جائحة (كورونا)»، مبيناً أنَّ القائمين على مجلس العزاء قاموا بتشكيل فريق من الشباب للقيام بتعفير الحسينية قبل وبعد انتهاء المجلس للحفاظ على سلامة المعزين ويكون العمل على تعفير المعزين قبل دخولهم، مع ارتداء الكفوف والكمامات».
واضاف «اننا ملتزمون بتوجيهات المرجعية الدينية العليا وإرشادات الجهات الصحية من خلال تطبيق وضع مسافات للتباعد الاجتماعي بين الحضور داخل الحسينية فضلا عن ارتداء الكفوف والكمامات».
وأوضح الصباغ أنَّ «القائمين على الحسينية ومنذ انشار جائحة (كورونا) في العراق وانطلاق دعوة المرجعية الدينية العليا بالتكافل الاجتماعي قاموا بتشكيل فريق من أهالي كربلاء الغيارى ضم عدداً من أصحاب المواكب والأطراف والهيئات والاصناف الحسينية، لتجهيز المواطنين من أصحاب الدخل المحدود والأسر المتعففة بالسِلال الغذائية وعلى مدى أكثر
من (3) أشهر».
إلى ذلك، قال عباس الموسوي، أحد الحاضرين في المجلس، إن «التنظيم كان مميزا وايضا التزم الحاضرون بالارشادات الصحية وهذا ديدن المؤمنين في تطبيق كل ما يؤمرون به للحفاظ على حياة المواطنين».
واضاف أن «التطبيقات الصحية التي اتبعت شملت الكل حيث أول من طبقها رجال الدين الذين حضروا معنا في العزاء».
ودعا الموسوي الجميع سواء اصحاب المواكب والمعزين الى ضرورة الالتزام بالارشادات الصحية عند احياء الشعائر الحسينية.