التحليل السياسي

آراء 2020/08/19
...

أمجد ياسين

من هو المحلل السياسي؟ وهل كل من يظهر على الشاشة ويبدي رأيه محلل سياسي؟ بداية، التحليل علم، يستند على دراسات موسعة ومراكز ابحاث ومتابعات اعلامية .. قد تستغرق مدة طويلة حتى تتضح ملامح قضية ما ليُبدى فيها رأي او تحليل، المحلل السياسي مؤسسة وان كانت بجهد فردي، مطلعة على خلفيات القضايا وتفاصيلها، قريب من اصحاب القرار، بمعنى انه يفهم لعبة الكواليس والطاولات، الكواليس التي يقال فيها كل شيء والطاولات التي تقدم الرسمي من الامور، كما لابد للمحلل السياسي من اجادة للغة اخرى او ان مؤسسته تضم من يقوم بدور الترجمة لآخر التقارير العالمية في مجال اختصاصه، فبعض التحليلات تستمد اهميتها من الوقت فتكون سباقة لغيرها التي تنتظر. واخيرا له القدرة على الاحاطة بكل تفاصيل القضية ومرجعياتها التاريخية ولملمة اطرافها، وما يشابهها من القضايا، وما يقوله القانون الدولي فيها، وطبيعة الأمم في معالجة امورها، فالتاريخ صديق حقيقي لمعرفة كيف يفكر الاخر ويتخذ قراره وبعد، هل كل من يظهر على الشاشة وفق هذه المعطيات نستطيع أن نقول انه محلل سياسي؟ لا اعتقد، واجزم بان الكثير منهم لا يمتلك مقومات هذه التسمية. 
ولا اريد ان اكون قاسيا وانا استعيد ذكريات المرحلة الابتدائية واتذكر قول المعلم لنا نصف الاجابة في السؤال، نعم هي كلمات عائمة تطلق بعد ان يردد الضيف نصف كلام السائل وبعض كلمات يعرفها الشارع من قبيل "دعنا ننتظر لنرى، او ان الايام المقبلة حبلى بالمفاجآت" .. ما النتيجة التي خرجنا بها ، لا شيء جديد. 
من جهة اخرى يقع اللوم على القنوات الفضائية، التي تريد ملء فراغ بثها ببرامج غير حقيقية لا يخرج معها المشاهد بنتيجة ، بعد ان تستضيف اسماء لا علاقة لها او خبرة في القضية المطروحة للنقاش. يسهم في هذا التشويش المتعمد الضيف الذي جعل نفسه في متناول يد الفضائيات، وكأنه احد كوادرها، فيكون حاضراً في كل مشكلات العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية.. وكأنه ملم بكل تشعبات المفاصل المهمة في حياة الشعوب وهذا ما يفقده المصداقية، على ما يبدو ان الكثير من القنوات لا تريد ان تبحث عن الرأي الرصين، هي اقرب للآراء التي تثير الجدل والنقاش بصوت عال في برامجها لاستثارة مشاعر شريحة من المجتمع على حساب اخرى، كذلك هي تستضيف من يدور في فلك القناة، وهي سياسة اصبحت قارة في الفضائيات العراقية لان اغلبها فضائيات احزاب وتوجهات معينة.
امر آخر مهم يقلل من فرص ظهور محللين سياسيين مرموقين، الا وهو غياب مراكز الابحاث عن الجامعات العراقية التي تضم عددا من المختصين بالقضايا العراقية والعربية والاقليمية والدولية... مثل باقي جامعات العالم المتميزة، نعم لدينا شخصيات مرموقة على عدد اصابع اليد الواحدة ولكن تأثيرها محدود جدا على صاحب القرار العراقي الذي يتجاهل دورها.
الصحف والمؤسسات الاعلامية العراقية هي الاخرى تتحمل المسؤولية، لغياب مراكز الدراسات والابحاث فيها، اسوة بالصحف المعروفة في الوطن العربي والعالم، وبذلك فقدنا ركيزة مهمة في بناء نظام مؤسساتي حقيقي يقدم المعلومة بكل دقة وتجرد، لا تتدخل فيها العواطف واملاءات اصحاب القرار او الحزب او الفضائيات المستضيفة.
دعوة صادقة لعودة مراكز الدراسات والابحاث لصحفنا وفضائياتنا المهمة لفهم قضايانا بصورة اكثر دقة ورصانة، فنحن مطالبون بتقديم تحليل يخدم السياسي والمدني، وليس كما يحدث الآن، وهو ان يصرح السياسي برأي حزبه دون رؤية شاملة ومصلحة عراقية مدنية تضم في جنباتها كل مصالح العراق ولنا في قضية الربط السككي مع دول الجوار مثال حي لما قلناه.