{ابوكاطع } ذاكرة الوجدان

الصفحة الاخيرة 2020/08/20
...

زيد الحلّي
في 17 آب 1981 ، غاب عنا ، شمران الياسري " ابو كاطع " الكاتب متعدد المواهب ، لكن اسمه لم يغب ابداً عن ذاكرة مجايليه او ابنائهم ، وبعيداً عن المقدمات ، اذكر حالة ، مررت بها مع هذا الانسان الكبير وهي انني تعرفت على شمران الياسري في عام 1975 او 1976 حين كلفني رئيس تحرير الجريدة التي أعمل فيها بكتابة موضوع عن ناحية (الفهود) في اعماق الناصرية ، بما يشبه الرد على ما كتبه الياسري في جريدة " طريق الشعب " عن هذه الناحية الغافية بإهمال على اهوار الناصرية ، والمرتبطة بقضاء الجزائر والمؤسسة كناحية رسمياً في العام 1961 ... 
كانت الناحية عند زيارتي لها تعاني من الملاريا ، وقلة المياه الصالحة للشرب ونقص في ابنية المدارس، وهي الحالة ذاتها التي كان  قد اشار اليها الياسري ... وحين عدتُ من مهمتي ، لم اكتب التحقيق الصحفي الذي كلفتُ به للرد على الياسري ، بل كتبتُ تقريرا الى رئيس التحرير مؤكدا ، صدق ما كتبه الياسري ، وللأمانة التاريخية ، اذكر ان رئيس التحرير اقتنع ، وثمن صدق ما اوضحت وشكرني ، وطلب اهمال موضوع الرد الصحفي ، واكتفى بتحويل ملاحظاتي الى الجهات المختصة لمعالجة الأمر.. وفي مدة لاحقة ، رن الهاتف في مكتبي بالجريدة التي اعمل فيها .. 
كان المتصل الياسري ذاته ، ويبدو ان احدا ممن التقيتهم في ناحية " الفهود " اخبره بالزيارة وباسمي.. كان صوت الرجل، يحمل دفئاً ومودة مازلتُ اتذكرهما... فنشأت بيننا منذ ذلك الحين ، صداقة استمر ضوعها لسنين لاحقة حتى توفاه الله في حادث سير بهنغاريا في العام 1981 .. 
وهذه هي الصحافة، تحب من يهواها ويمارسها بصدق، فتمنحه شهرة تبقى تتبعه حتى بعد مغادرة الدنيا بعقود وعقود ...
قد يظن متابعو ابي كاطع ، أنه كان يكتب بسطور يملأها الضوء الفضفاض ، لكني لمستُ من خلال قراءاتي لمقالاته وكتبه ، انه كتب بسطور يسودها الظلام المقصود ، باعتبارها رمز الموت ، من اجل ان يخرج الضوء من بين حروفها ساطعاً ، مؤثراً .. فالضوء عنده يمثل النور المجتمعي الذي يغازل الحياة مثل لحظات الشروق في فجر بهي كان يتخيله لوطنه .. كان ابو كاطع شمساً بين الناس ، يلتمسون منه دفئهم ، ويشتاقون لعموده الصحفي ، وينتظرون صوته العراقي من الاذاعة ، الصوت المعجون بحب الوطن في كل حديث له ، وهي احاديث ، اسميها مدرسة ( شمرانية ) بامتياز تعتمد على احترام الكل وتوقير الكل .. لم يقل كلمة فيها إقلال من شأن أحد، أو جرح لشعور إنسان. ولم يعامل أحدًا باستصغار، كما لم يتجاهل أحدًا مهما كان مجهولًا، فامتلك محبة لا تغيب عن الذاكرة العراقية.
ان رباعيته الشهيرة "الزناد" و"بلا بوش دنيا" و"غنم الشيوخ" و"فلوس حميد" وحكاياته وأقصوصاته التي نشرها في صحيفة " طريق الشعب" وقبلها في " اتحاد الشعب " و لاحقاً في عدد من الصحف العربية ، وبرنامجه الإذاعي في أواخر الخمسينيات "احجيه بصراحة يبو كاطع" من إذاعة بغداد ، هي ميراث ومفخرة ثقافية وانسانية ، تركها الرجل للشعب الذي احبه ، قبل أن يتركها لأسرته الكريمة..
تحية لروحك العزيزة شمران الياسري .. نم قرير العين، فابنك الوفي إحسان الياسري حارس امين لإرثك .