د. باسم الابراهيمي
لا يزال الحديث عن تشريع موازنة العام الحالي يأخذ منحى جدليا بين مؤيد يؤكد ضرورة صدورها وآخر يرى ان الوقت قد أزف ولا فائدة من تشريعها بعد ان قاربت السنة المالية على نهايتها، وهذا الجدل ينسحب أحيانا الى مساحة أوسع تتمثل في نتائج الموازنات السابقة سواء على مستوى توفير الفرصة للجهات التشريعية للرقابة او على مستوى تقييم الأداء الحكومي من قبل المواطن، وهذا الجدل يتجدد بشكل دوري مع بداية كل عام على مدى السنوات الماضية الا ان المشكلات لا تزال نفسها تقريبا سواء من حيث نوعية الاعداد (موازنة البنود) او عدم الالتزام بالتوقيتات القانونية الخاصة بإقرار الموازنة.
بالعودة الى التعريف البسيط للموازنة العامة الذي يقول بأنها البرنامج الاقتصادي للحكومة خلال سنة مقبلة، فان البعض يرى اننا وفقا لهذا المفهوم نفتقد للموازنة، ففي الجانب الاقتصادي نجد ان الموازنة لا تمثل برنامجا اقتصاديا للحكومة وانما هي عبارة عن بنود محاسبية للنفقات والإيرادات والتي غالبا ما تكون مبنية على أسس غير دقيقة وتحديدا في الانفاق لكونه يخضع لما يعرف في الادبيات المالية الحديثة بـ "إشكالية العموم" Tragedy Of Common إذ ان وحدات الانفاق المختلفة تسعى الى زيادة تخصيصاتها التمويلية انطلاقا من دوافعها الذاتية وهذا ما يضر بالقدرة المالية للحكومة على المستوى الكلي، ومع ما يرافق ذلك من انخفاض في الطاقة الاستيعابية للنفقات الاستثمارية فان الموازنة العامة في العراق تصبح تحت تأثير ما يمكن ان نسميه بـ "إشكالية العموم المتضاعفة" multiplication Tragedy Of Common. اما في جانب سنوية الموازنة فان التجارب السابقة تفيد بان هذه القاعدة أصبحت الاستثناء نتيجة خضوع الموازنة للتجاذبات السياسية بشكل كبير، وهذا الامر ينسحب أيضا الى الحسابات الختامية، الامر الذي يفقد معه المشرع والمواطن القدرة على الرقابة والتقييم وتصبح الموازنة وكأنها إجازة بالصرف ليس الا، وعليه فإن موازنة العام الحالي مع الظروف التي يمر بها العراق تصبح موازنة غير فعالة اقتصاديا، إلا ان عملية تشريعها لها أهمية محاسبية وتنظيمية بالدرجة الأساس ولكن بالمقابل فإن عدم تشريعها يكرس تجارب سابقة من الضروري تجاوزها وعدم البناء عليها، الامر الذي يؤكد أهمية التزام الحكومة ومجلس النواب بتشريع الموازنة العامة لهذا العام على الرغم من كل الملاحظات المثبتة على عملية تأخيرها.