ثمة جدلية تأريخية ناقشها العديد من الفلاسفة، والمؤرخين والمفكرين.. بقضية جوهرية بالحياة الإنسانية، هي من يصنع التأريخ الأحداث أم الأبطال !؟ وقد رجح بعضهم الأحداث، وقسم كبير الأبطال، وأنا مع الإتجاه الثاني من الآراء لأن الحوادث التاريخية صناعة بشرية كدارس للتاريخ، والحضارات بتمعن.. وللإجابة عن تلك الجدلية: ندرس واقعة الطف بمنظور رؤيوي عصريّ، أجد أنَّ الخطابات السوسيوثقافية هي التي ميزت النهضة الحسينية ((الإصلاحية)) في المنهج النقدي التفكيكي والبنيوي ولفهم الخطاب الحسيني الصانع للتاريخ، وللأحداث ،والمستمر بالخلود، لابد من فهم مقولات البطل التاريخي "سيد الشهداء –عليه السلام-" بالإصلاح السياسيّ.. والاقتصاديّ.. والاجتماعيّ فالحسين الشهيد صوت الحق ورافع اللواء لمقارعة الباطل ورائد الإصلاح الكونيّ جاهر مرددا :
(ماخرجت اشراً ولا بطراً ولاظالماً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر)، (لقد خط الموت على ولد آدم كخط القلادة على جيد الفتاة)، (كأن بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء)، (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد). إنَّ هذه الصرخة المدويّة البليغةالجامعة المانعة ترن في صدى الأزمنة والتاريخ وحركة الإنسان في كل الأجيال وكل الأمم والشعوب، لذلك يستقي منها جميع الأحرار وكل الثائرين بالإنسانية سواء كان المسيحي، أوالبوذي والمسلم، والديني، واللاديني، تلك الكلمات زيت الثورات وعدم الإقرار للطغاة بالتنمر والظلم والاستئثار وسياسة التوريث التي ابتكرها معاوية لابنه يزيد غير المؤهل أخلاقياً وروحياً وسياسياً لقيادة الأمة لذلك أبى سيد الأحرار مبايعته ولو اقتضى ذلك شهادته وهو على يقين ان بنهضته سينتصر نجيع الدم على السيف، وسيخلده الأحرار وجميع طلاب الإصلاح بالبشرية مابقي الوجود، لذا عزم الأمر وشد الرحال من مكة للمدينة والعراق وبكل خطوة يقف يذكر يبصر يوجه الأمة والأصحاب والأتباع. إنَّ لا قيمة للحياة مع الظالمين لذلك كانت "نهضة كربلاء" بتلك المواقف الخالدة التي تستلهم منها العبر: بالصبر والتضحية والبسالة والشجاعة والمبدئية والتحدي، والجزم بأنَّ ثنائية الصراع منذ الخليقة بين فسطاط الشر وفسطاط الخير الغلبة فيها لانصار الحق، والجمال، والتضحية وبطوال التاريخ البشريّ انتصر أصحاب الحق ضد جبهة الباطل وجبهة التصدي للإجرام والإرهاب، كما انتصر شعب العراق على الدكتاتورية لأربعة عقود رغم التضحيات الباهظة الثمن ثم الانتصار على داعش الإجرامي وطرده من أرض المقدسات وكذلك انتصر غاندي بشعار "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر"، وكل حركات التحرير بالعالم انتصر فيها الثوار بمبادئ الحسين، وحرارة دمه من 61 هـ تفور إلى اليوم، كما خلده الشعراء وكتاب المسرح ومعظم التشكيليين وكل الدارسين لحركة الثورات والشعوب وهو ما كان يردده الحسين (ع) "ألا من ناصر ينصرنا" لقد نصرتك الإنسانية بكل القارات ياسيد الشهداء فكل محرم الرايات بكل عواصم الدنيا مرفوعة اللواء "لبيك يا حسين".