ماذا سيحدث بين امريكا واسرائيل والعرب ؟

آراء 2020/08/22
...

سامي كليب 
 
في داخلِ كلّ عربي شيءٌ من الإعجاب بأميركا، إلا ما ندر.
وفيه شيءٌ من قبول الاستعمار إلا ما ندر.
وفيه ميلٌ للخطابة مقابل قلة الفعل، وجنوح للردح مقابل ندرة الفعالية.
وفيه نزوعٌ لتمجيد الثروة وأصحابها، وتنكُّر أو حتى تجاهل واحتقار للفقراء.
وفي داخل كل عربي إعجاب الى حد الانبهار بـ"الأجنبي" على حساب عمقنا العربي، إلا ما ندر، فنهلل لنظريات صمويل هانتغتون وفرانسيس فوكوياما، بينما هذان المفكّران الأميركيان يعترفان بفضل عالِم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة عليهما، تماماً كما يذكر كبار المفكرين الغربيين فضل المفكر الجزائري الفذ مالك بن نبي على نظريات كثيرة بشأن التحرر والاستعمار وتركيبة المجتمعات وأنماط 
تفكيرها. 
ولأنَّ في داخل كل عربي ميلاً للأساطير أكثر من الواقع، غرق العرب بنضال الخطابة طويلاً، فما رأينا كيف تقدّمت إسرائيل وتراجع العرب.
ولا عرفنا كيف نؤسس لستراتيجية إعلامية تواجه القدرات والخبرات الإسرائيلية.
فما انْ تم تفجير مرفأ بيروت مثلاً (وقد تكون فرضية إسرائيل حاضرة بقوة فيه) حتى سارع قادة الدولة "العدوة" الى عرض المساعدات وذلك في رسائل غير مباشرة تم إرسالها الى الرؤساء الثلاثة في لبنان، ورُفعت الأعلام اللبنانية في قلب القدس وتل أبيب من قبل الإسرائيليين.
كسبت إسرائيل في ذلك تعاطفاً عالمياً كاد يتفوّق على التعاطف مع لبنان، على أساس أنَّ آخر نظام عنصري في هذا العالم صار حمامة سلام لا ترمي غير الياسمين على جيرانها.
في داخل كل نظام عربي ميلٌ للتطبيع مع إسرائيل والانتهاء من "عبء" فلسطين إلا ما ندر خلافاً للكثير من الشعوب العربية التي ما زالت قلوبها تنبض على قلب فلسطين.
فما إنْ دُفع الفلسطينيون دفعاً نحو الاتفاقيات المُذلّة، وارتكب بعض قياداتهم خطيئة التوقيع على ما يسلبهم أرضهم، حتى هبّت دولٌ عربية عديدة لإقامة علاقات مع إسرائيل، وكأنها كانت تنتظر فقط اللحظة المناسبة لذلك.
ومن لم يفتح علاقات فهو سيفعل ذلك عاجلاً أم آجلاً، إلا ما ندر.
يُحسن العرب فن الخطابة، وتُحسن إسرائيل فنون التقدم العلمي والتكنولوجي في سياق سعيها للسيطرة على العرب.
إليكم بعض الأرقام للدولة العدوة:
 
• تنفق إسرائيل على البحث العلمي ضعف ما ينفق في العالم العربي، إذ بلغ مجموع ما أنفقته على البحث العلمي غير العسكري ما يعادل 9 مليارات دولار بحسب معطيات العام 2008.
 
• تنفق إسرائيل ما مقداره 4.7 % من إنتاجها القومي على البحث العلمي، وهذا يمثل أعلى نسبة إنفاق في العالم، بينما تنفق الدول العربية ما مقداره 0.2 % من دخلها القومي.
 
• عدد براءات الاختراع التي سجلت في إسرائيل عام 2008 والتي تبلغ 1166 تفوق ما أنتجه العرب بتاريخ حياتهم وهو 836 براءة اختراع. وفق اليونيسكو.
• إنفاق العرب على البحث العلمي هو أقل بخمس مرات من إنفاق الدول الأفريقيَّة.
 
• إسرائيل هي ثاني أكبر مصدر للأمن الالكتروني في العالم.
 
• تسيطر على ٥ بالمئة من كل الصادرات العالمية بهذا المجال وتطمح لأنْ ترفع النسبة الى ١٠ بالمئة قريباً جداً.
 
• الصادرات الإسرائيلية في مجال الأمن الالكتروني تفوق بثلاث مرات صادرات بريطانيا.
 
• 14,5 من الشركات العالمية التي تجذب استثمارات مرتبطة بالأمن الالكتروني هي إسرائيلية.
الدول التي تُطبع العلاقات مع إسرائيل، تطمح للحصول على التكنولوجيا والتطور العلمي في مجالات عديدة بينها الزراعة التي كان من المفترض على العرب أنْ يطوروها في أراضيهم الخصبة (في السودان مثلاً ١٢٨ مليون رأس ماشية ومئات آلاف الهكتارات الزراعية الخصبة و٧٠ نهراً، بينما نشتري اللحوم من استراليا والبرازيل والقمح من روسيا).
الدول التي تُطبّع، تطمح لحماية استثماراتها المالية في المصارف والشركات العالمية التي نجحت الجاليات اليهودية في إدارتها نجاحاً باهراً، وترغب في رفع قدراتها العسكرية أمام من صاروا أعداءها الأوائل مثل إيران وتركيا، وتعتقد بأنَّ العلاقة مع إسرائيل هي المفتاح الأهم لقلب أميركا وهي سبيل الأمان لطرق التجارة العالميَّة.
في داخل كثير من أهل النظام العربي اليوم، يقين بأنَّ التطبيع هو خيار، وأنَّ لا مستقبل بلا علاقة ستراتيجية مع إسرائيل، وهذا سيكون حتماً تمهيداً لاحتمالين، إما قيادة إسرائيل للعرب في المستقبل، أو ذوبان إسرائيل بالديموغرافيا العربيَّة.. أنا شخصياً أميل الى الاحتمال الأول، ذلك أنَّ حروب المستقبل ستكون بالعلم والتكنولوجيا وكل مؤشراتنا الحالية شبه معدومة في هذا المجال.
في هذا الوطن العربي الذي ينتج ثلث الثروة النفطية العالمية تضرب البطالة 100 مليون شخص، أما الأميّة فتنهش عقول مليون عربي، ويفتك الفقر بنصف السكان أو أكثر في عددٍ من الدول بما فيها التي كنا نعتقدها متقدمة مثل لبنان.
حين تكون البطالة قاتلة والبطون ضامرة والعقول خاوية والقلوب زاخرة بالغضب، كيف لا يرتمي كثير من هؤلاء الشباب في اتون الإرهاب، فتُغسل عقولهم وتُصبح أجسادهم وقوداً لنار الفتن 
والاقتتال؟
عدد العاطلين من العمل في فلسطين يقارب 30 %، يضطر نحو مئة ألف فلسطيني تقريباً للعمل عند الإسرائيليين أو في المستوطنات.
بعضنا يقاتل إسرائيل في اختلال توازن عسكري كبير، وبعضنا يذهب الى فتح علاقات مجانية معها، ذلك أنَّ ما ستعطيه إسرائيل وأميركا للعرب سيكون مُكبّلاً ومشروطاً وعديم الفائدة، إلّا إذا كانت إسرائيل قد تغيرت وصارت، بفعل معجزة، مسالمة مثل غاندي تريد خير العرب وتقدمهم ووحدتهم. وهذا 
مستحيل.
 
* كاتب وباحث لبناني