التوازن الستراتيجي والسياسة الخارجيَّة في علاقات العراق الدوليَّة

آراء 2020/08/22
...

محمد عدنان محمود
 
عبرت الحكومة العراقية ومنذ الايام الاولى لتشكيلها عن توجهات السياسة الخارجية العراقية ومبدئيتها انطلاقاً من الدستور في سياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ونبذ سياسة المحاور والتكتلات والاستقطابات، فضلا عن منع أن يكون العراق منطلقاً لتهديد دول الجوار او ساحة لتصفية حسابات الخصوم الاقليميين والدوليين. ويلاحظ من هذه المبادئ ان المحدد الجغرافي مثل اهم اسس السياسة الخارجية العراقية والتي انطلقت من خصوصية الموقع الجيوستراتيجي للدولة.
 
فالقدرة على توظيف هذا الموقع وفق مصلحة الدولة والمصالح المشتركة مع البيئة الاقليمية والدولية تحقق المبدأ المهم والاساس وهو عنصر التوازن في التعاطي مع مختلف دول العالم.
وهنا يكون العراق نقطة التقاء لدول الجوار ومن خلالها نحو البيئة الدولية الاوسع، بدلاً ان يكون نقطة صراع مصالح او ساحة مشكلات دولية.
لذلك ركَز رئيس الوزراء في جولته الخارجية الاولى الى الجمهورية الاسلامية في ايران على مبدأ التوازن الستراتيجي، أي بمعنى تحقيق التكافؤ والتعاون الدولي وفق المصالح العليا لكل دولة وبناء قاعدة التفاهم المشترك والاعتماد المتبادل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والقناعة في بناء العلاقات الدولية دون ضغط من أي دولة تجاه الاخرى او فرض التزامات 
عليها.
ان حديث رئيس الوزراء وطرحه لستراتيجية التوازن، جاء بناءً على دراسة واقع الدولة من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية والامنية، وان انسب الحلول للدولة تكمن في اعتماد التوازن، فدولة مثل العراق بحكم علاقاتها وارتباطاتها لا يمكنها أن تعتمد سياسة او مبدأ الانكفاء على الذات وكل دول العالم تقريباً تحتاج الى بعضها البعض سياسيا او اقتصاديا او امنيا، فالعلاقات الدولية اصبحت تكاملية وتنتهج الاعتماد المتبادل بشكل كبير والتفاعل الاقليمي والدولي، والدول في الوقت ذاته ليست جميعها تعتمد المحاور والتكتلات لانها ستكون في موقع الضعف والاحتياج لمحور معين مقابل العدائية لمحور اخر وتقاطع ستراتيجي معه، وهذا الامر يصعب في العراق بفعل تعددية واقعه السياسي والاجتماعي، فضلا عن سعيه الى التوازن في تعاطيه مع دول العالم وطبيعة وضعه الاقليمي المتداخل اجتماعياً مع وضعه الداخلي، والذي يحتم عليه عدم انتهاج محور على حساب محور اخر، لذلك تبقى ستراتيجية التوازن والتكافؤ في التعاطي الدولي هي الانسب للدولة في سياستها
الخارجية.
واستكمالاً لتلك الرؤية التي تحملها الحكومة العراقية في تطبيق سياستها الخارجية، جاءت المحطة الخارجية الثانية والمهمة لرئيس الوزراء الى الولايات المتحدة في العشرين من الشهر الحالي، وحقيبته التي حملت ملفات دون شك انها لها اهميتها انطلاقاً من الظروف الداخلية والخارجية، يقع على رأسها الحوار الستراتيجي بين البلدين، ستمثل خطوة اضافية لتطبيق ستراتيجية التوازن، في التعامل مع الملفات الدولية، فالرهان هنا يكون على قدرة رئيس الوزراء وفريقه الحكومي في تحقيق المصلحة الوطنية للدولة على اساس التفاهم والمصالح المشتركة التي تجمعها مع طرفي المعادلة الدولية – الاقليمية ونقيضيها (ايران والولايات المتحدة) والقدرة على اقناع كلا الطرفين بان المصلحة الشاملة تتطلب ان يبني العراق علاقته مع البلدين او باقي بلدان العالم وفق سياسة متوازنة وتقليل حدة التوتر بينهما وعدم جعل العراق ساحة لتصفية حسابات طرف ضد
آخر.
ولا بد هنا من الاشارة الى ان القدرة على بناء سياسة خارجية متوازنة وغير متقاطعة في بيئتها الاقليمية والدولية، تحتاج الى وحدة الموقف على مختلف المستويات الرسمية وغير الرسمية وعدم تشتت الآراء او التوجهات، بين الحكومة بصفتها تمثل الجهاز التنفيذي وبين القوى السياسية والبرلمانية، ولعل المسألة الاساس والمهمة في هذا المجال هي تحديد اولويات السياسة الخارجية والاتفاق عليها بين جميع القوى وتبنيها كمنطلق لستراتيجية ثابتة تؤمن بها كل الاطراف السياسية العراقية، والتي يفترض ان تضع في اولى اولوياتها المصالح العليا للدولة وعلى رأسها السيادة الوطنية، فالانطلاق من مبدأ السيادة وترسيخه وعدم قبول تدخل أي طرف خارجي بالشأن الداخلي هو الاساس في نجاح الدولة 
وقوتها.