سباق التسلح الطبي

من القضاء 2020/08/22
...

ميادة سفر
 
لم يخرج "كوفيد - 19" الفيروس القاتل من دائرة السجال السياسي، والمناكفات وتبادل الاتهامات بشأنه بين الدول "العظمى" ذات السوابق أصلاً والتاريخ يشهد بإنتاج ونشر واستخدام الأسلحة البيولوجية والجرثومية وسواها من أسلحة فتاكة قاتلة بهدوء وبرود، واستمر الجدل والجدال بشأنه مع كل حديث عن علاج له في هذه الدولة أو تلك، أو عن إنتاج لقاح مضاد من جهة أخرى، فكانت كل دولة تتلقى بتشكيك ورفض حيناً لأي عقار من شأنه المساهمة في الحد من انتشاره، لا سيما إنْ كان إنتاجه من دولة "عدوة" إن صح التعبير.
كان آخرها الإعلان الروسي عن لقاح لفيروس كورونا الذي فتك بالملايين من البشر حول العالم، والذي أعلن من قبل الرئيس الروسي شخصياً وخضعت ابنته لاختباره، وسيباشر إنتاجه كما يتم الترويج خلال الشهر 
المقبل على أبعد تقدير.
لكنّ هذا السبق العلمي لم يلق ترحيباً من عدد من الدول الأوروبية وأميركا التي ما فتئت تشكك بأي منتج لا يصدر عن مخابرها، نظراً للعائدات الكبيرة التي ستحظى بها الدولة المنتجة لعقار أو لقاح يقضي أو على الأقل يخفف من أعداد ضحايا هذا القاتل الخفي، إنْ من الناحية الاقتصادية أو العلمية أو حتى السياسية، فكانت الحجج جاهزة تارة حول التجارب وطوراً عن المضاعفات التي يمكن أنْ تنجم عنه، في محاولة لمنع الروسي من الاستفادة من هذه الفرصة لإنقاذ البشرية من قاتل يكاد يفنيها.
إنّ ما يثير الاستغراب والقلق تلك المواقف التي تتاجر بالضحايا من جميع أنحاء العالم، حتى من أبنائها، هذا كان واضحاً من الولايات المتحدة الأميركية التي ظلت ممثلة برئيسها تستخف بالفيروس غير آبهة بأعداد الإصابات المتزايدة بشكل مضطرد يومياً، محاولة إنتاج لقاح في مواجهة الآخر الروسي، وكأننا أمام حرب باردة من نوعٍ جديد، وسباق تسلح لكنه هذه المرة طبي وعلمي، وقوده البشر وأرواحهم 
وصحتهم.
لنفترض أنّ الأمر يدور حول حرب في بلد ما، لكانت هرولت تلك الدول التي تقلل من أهمية اللقاح الروسي اليوم إلي الدخول فيها، تحت ذرائع شتى ليس آخرها نشر الديمقراطية، ولرفعت شعارات حقوق الإنسان وحماية المدنيين وغيرها كثير مما بتنا نعرفه جيداً ونحفظه عن ظهر قلب، أما أنْ تسهم دولة لا تتوافق مع أهواء الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية في إنتاج لقاح من شأنه إنقاذ ما تبقى من 
البشرية، فهو أمر "فيه نظر"، ولا يجوز وفقاً لسياستها أنْ تنحاز إليه وتدعمه وإن حمل تحت يافطة حماية الإنسان والحفاظ على صحته وسلامته.
في قاموس الدول العظمى سيبقى الإنسان خارج سلم اهتماماتها، اللهم إلا إذا مسَّ مصلحتها، أو عاد عليها بغنيمة اقتصادية أو سياسية وربما انتخابية، سيبقى الصراع على فرض النفوذ مستمراً ومحتدماً، ولو بقيت الأوبئة تفتك بالبشر والحروب تأكلهم، طالما أنها بقيت بعيدة أصحاب 
الكراسي والسلطة.