حسين الصدر
- 1 -
هناك لونان من القراءة:
أولهما: القراءة السريعة الخالية من التأمل في المواقف والأحداث والبعيدة عن التحليل والاستنباط واستلهام الدروس والعبر وهذه قراءة باهتة.
وثانيهما: القراءة الواعية المقرونة بالتدبر والتفكير في كُلّ مفردة من مفردات السيرة، وهذه هي القراءة المطلوبة من ذوي الفهم والثقافة والقدرة على التحليل والاستنتاج وصولاً الى انتزاع الثمين من الدروس والتجارب.
- 2 -
لقد جاء في سيرة الامام الحسين (ع) أنه استُدعِيَ مِنْ قبل والي الأمويين على المدينة (الوليد بن عتبة بن ابي سفيان) للحضور عنده، كما استدعى الوليد (عبد الله بن عمر) وعبد الله ( بن الزبير) أيضاً ، وكان الاستدعاء بعد وصول الخبر بوفاة (معاوية) وكتاب (يزيد) الآمر بِأَخْذ البيعة منهم، وهنا استشار (الوليد) مروان بن الحكم فأشار عليه أنْ يبعث اليهم ويدعوهم الى البيعة قبل أن يعلموا بموت معاوية، فانْ بايعوا فهو المطلوب، وإنْ رفضوا أسرع الى ضرب أعناقهم، وكانت خطة ماكرة من (مروان) وغاب عن (مروان) : أنَّ الامام الحسين (ع) ذو نظر ثاقب وذو حنكة في التخطيط والتدبير ، هنا أدرك الامام الحسين (ع) ما ينطوي عليه هذا الاستدعاء من مخاطر...كما أنَّ الغالب على ظنه أنّ سبب الاستدعاء كان موت معاوية ، فلم يستجب للوالي الاّ بعد أن أحكم الخطة وجمع ثُلةً من شباب الهاشميين وأصحابه أخذهم معه وأوصاهم ان يقفوا عند الباب تحسباً للطوارئ ، فاذا ما أجبر على البيعة رفع صوته عاليا ليسمعوه ويقتحموا الباب انقاذاً للامام الحسين (ع) من التورط في ما لا يريده ،وحين دخل الامام الحسين أخبره الوالي بموت معاوية، ودعاه الى البيعة وأطلعه على كتاب (يزيد) المشار اليه آنفاً، هنا كانت المفاجأة العظيمة: لقد رفض الامام الحسين (ع) البيعة ، ولكنه علل الرفض بانَّ مثله لا يبايع سرّا .وقال للوليد : اذا خرجت الى الناس فدعوتهم الى البيعة دعوتنا مع الناس
فاكتفى منه الوليد بذلك.
وقال له: انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس.
وهذا ما أغاظ (مروان) الذي قال للوليد:
(والله إنْ فارقك الساعة، ولم يبايع لا قدرتَ منه على مثلها أبداً)
وهكذا كان، فليس بمقدور الامام الحسين (ع) أنْ يبايع مثل يزيد، وفي هذه البيعة تسليم واقرار بأهلية (يزيد) للخلافة مع أنه لا يؤتمن لا على دنيا ولا على دِين).
إنَّ مواقف الإمام الحسين (ع) كانت مدروسة، وكان يخطط لها ويرسمها بدقة متناهية، وهنا يكمن الدرس البليغ.