محمد جبير
نحن أمّة لانحتاج إلى تعريف لمفهوم الإصلاح، ولا إلى وضع مواصفات للمصلح الذي ينتفض ثائرًا في وجه الباطل والظلم والطغيان والفساد ليعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويحقّ الحقّ ويسنّ قانون العدالة، ولانحتاج إلى تحديد مواصفات البيئة الصالحة التي ترسم أفاق المستقبل للأجيال المقبلة والتي لا بدّ أن تنعم بقطف ثمار الجهود الإصلاحية للأجداد الأوائل الذين خطّوا ورسموا خطوات الجهاد الإصلاحية، هذا هو القانون والمنطق لتراكم الخبرة والتجارب والمعرفة على مرّ العصور، والذي تتطوّر من جيل إلى جيل، وكانت هذه الأجيال تتناوب زمانيًا على حمل تلك الراية المشرّفة التي تعدّ في حدّ ذاتها ثورة قيمية أخلاقية بنائية ودرسًا تربويًا وأخلاقيًا لكلّ الشعوب والأمم.
هذا ليس كلامًا افتراضيًا أو طوباويًا، وإنّما هو ما لا بدّ أن يكون كبنية سياقية لمجتمع سعى سعيًا جهاديًا متواصلًا من أجل إصلاح المجتمع العربي والنهوض به من مجتمعات قبلية عصابية تتغذّى على الثارات والصراعات فيما بينها إلى بنية مجتمعية متجانسة مع بعضها، متآخية ومسالمة تبحث عن الحياة الحرّة، رافضة العبودية والاستعباد، ومطلقة لحرية الفكر والتفكير، والتعايش مع الحركات الفكرية والثقافية في المجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى، سواء تلاقت أو تقاطعت تلك الأفكار، فكان الحوار هو الحكم الفصل فيما بينهما، وهو الأمر الذي شهد حملة واسعة في العصور السابقة من نشاط حركة الترجمة ونقل العلوم والثقافات والأفكار والفلسفات من شعوب العالم المختلفة إلى المجتمع العربي.
تلك هي الحقيقة والصورة المضيئة للعرب في دعواتهم للتطوّر والتقدّم والازدهار وإصلاح المجتمعات التي تحتاج إلى الإصلاح للنهوض بأفرادها، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فأمّة العرب أمّة إصلاح وحضارة تكالبت عليها الدول لتعيدها إلى عصر الظلمات، وجنّدت ماجنّدت من أجل تحقيق هذا الهدف المركزي في إضعاف هذه الأمّة وتشتيتها وزراعة اليأس في أجيالها الشبابية نواة التقدّم والعمل والإصلاح.
نحن اليوم لسنا بحاجة إلى شعارات ترفع هنا وهناك، تدعو إلى الإصلاح، وإنّما إلى عمل جاد يقتدي بالخطوات الإصلاحية لقادة الإسلام الذين غيّروا مجرى التاريخ وبنوا الحضارة العظيمة التي نقلت الشعوب من البداوة إلى الحياة المدينة بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من أبعاد فكرية وثقافية واقتصادية، ولنا في ثورة الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة قدوة حسنة في المسار الإصلاحي لبناء الأمة، والذي خرج بأهله وأصحابه الخلص منتفضا بوجه الفساد والظلم والباطل ليقول كلمة الحقّ بوجه سيف الباطل الذي كان مسلّطًا على رقاب المسلمين، وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الأفعال بعيدًا عن الشعارات في محاربة الفساد وإصلاح شأن حال الوطن بالأفعال لا بالأقوال والشعارات الرنانة التي أُفرغت من محتواها، وأضعفت ثقة المواطن بالدولة.