كثيراً ما نبدي امتعاضنا واستغرابنا من عبارة “ متزوجة عزباء” التي تستخدم في المجتمعات الغربية وهي تؤشر زواجاً خارج المنظومة القانونية والرسمية ، ونصف تلك المجتمعات بأنها خارجة عن السياق الاجتماعي والقانوني والسلوك القويم بفعل مجموعة من الاعراف والعادات والتصرفات التي لا نتقبلها في مجتمعاتنا العربية والشرقية .. لكن أن نجد ذات الوضع محلياً ولاعداد كبيرة تجر وراءها اطفالاً نتجوا عن تلك الزيجات التي لم تثبت ضمن عقود زواج رسمية ولا عند مأذون شرعي يوثق عقد زواج بين اثنين لم يفكرا بما سيكون عليه مستقبل اطفال “ غير معترف بهم رسمياً” أمام قانون نافذ.
في منطقة عشوائيات معسكر الرشيد التي زرناها بصحبة الشرطة المجتمعية ضمن نشاط المجموعة البغدادية للتنمية المجتمعية، وجدنا مجتمعاً بدائياً يعيش على هامش حياة العاصمة بغداد بكل تأريخها المثالي الذي ارتكزت عليه، مجموعات متباينة بعضها نزحت من المحافظات والاهوار واطراف المدن لتشكل تجمعاً يعيش في اقسى الظروف البيئية والاجتماعية، اغلب الاطفال بلا هويات تثبت نسبهم اذ لا عقود زواج للأهل ولا شهادات ميلاد وهو ما اوجد لاحقاً عراقيل قانونية جعلتهم لا يلتحقون بالمدارس ولا يعرفون التعامل مع الحياة ضمن اساليبها الثابتة. تبرعت احدى المنظمات بباص اسمته “ باص الأمل” ليكون مدرسة متنقلة تم تزويدها بمنهج الصف الاول الابتدائي وتشرف على تدريسهم منتسبات للشرطة المجتمعية .. الاطفال المتواجدون بأعمار مختلفة لا يعرفون غير كتابة اسمائهم ولا ينتظمون اصلاً بدوام ثابت، اذ ان عوائلهم تجبرهم على العمل بجمع العلب البلاستيكية الفارغة التي تشكل المورد المالي الوحيد لأغلب تلك العوائل التي يعمل بعضها في التسول او بيع المناديل الورقية في الشوارع وتقاطعاتها.
فتيات بأعمار العشرين بعضهن حوامل ولا تعرف اين اختفى زوجها بعد ان غادرها ولا تدري كيف ستثبت نسب طفلها المنتظر ولا عقد زواج لديها.. ارامل ومطلقات ايضا بلا مستمسكات تثبت حالتهن الاجتماعية .. الكل في فراغ قانوني ومجتمع يضم شريحة شبابية سيكون عليها قيادة المجتمع في قادم الايام دون ان يقدم لها هذا الحاضر ما يمكنها من حمل مفهوم “ التمكين” معرفياً وعلمياً وتربوياً واجتماعياً وبيئياً. !!
لا نعتقد ان الدولة بمؤسساتها الامنية العديدة غافلة عنهم، اذ بالقرب منهم مركز للشرطة الاتحادية ، ولا نعتقد ان المؤسسة الدينية لا معلومة لديها بواقعهم الشرعي والاجتماعي بعد ان وجدنا حسينية وجامعاً هناك.!!
ولا اعتقد ان المنظمات بتعدادها الضخم مجتمعياً ليس لديها تواجداً او زيارة لهم وهي تقيم انشطتها شهرياً “ اعلامياً ودعائياً” فيما واقع الحال المجتمعي يشير الى ظاهرة سلبية تماماً.
هذه المنطقة عينة بسيطة عن مناطق اخرى انتشرت لتحمل اسم “ المتجاوزين” في اغلب مناطق العاصمة . ويبقى السؤال الضخم : ماذا سنفعل لتأهيل هؤلاء بدل ان نتركهم ليكونوا مشاريع استغلال واستلاب ومظاهر سلوكية مرفوضة لاي مجتمع يدعي التحضر والبناء والاهتمام.