صادق صالح
تمر علينا هذه الايام ذكرى العمل الاثيم، الذي اقترفته إرادة الظلام والنكوص والتراجع في نتيجة عنيفة ومؤلمة للصراع الأزلي المحتدم بين ما هو محافظ يؤثر الماضي ومعطياته وحداثوي ينظر الى الأمام بكل ما يحمل من أمل وتفاؤل وهو صراع إرادات يحمل كل أطرافه مبرراته وقناعاته، صراع لا يؤمن بالتباري الإيجابي المفضي الى إثبات الاجدر والافضل عبر اختيارات المجتمع وقناعاته وخاصة من الطرف العنيف المناقض للسلام، على كل حال ذلك القرار الآثم بإيقاف ذلك العنفوان المتطلع والدفق الانساني الوثاب لفقيدنا الراحل، وذلك الفكر التنويري الذي انبثق عن إرادة آمنت بما
عزمت عليه.
لقد كان العمل الهادئ العلمي والمنظم لفقيدنا المدرك لهدفه الناظر بإصرار ووضوح لما يصبو إليه هو الشكل المضاد لما عمل عليه الطرف المناقض من ارساء لمشروع حياة يستوحي معاييره وتأسيساته من مستمدات موغلة في القدم والتأصل، لم تستطع رغم عراقتها وتأصلها ان تضع عجلة الحياة على جادة منتجة وفاعلة ومفضية الى مجتمع قوي وقادر على تحقيق وجود حضاري ضامن لحياة مزدهرة قادرة على مجاراة ما حققته الامم السائرة في طريق التجديد والعلم والتقدم، كما ان المجتمع التقليدي الجامد لم يعد قادرا على الصمود والبقاء امام ما تعيشه الاتجاهات المؤمنة بالتحضر والتقدم العلمي وما حققته من تفوق علمي وتكنولوجي وفكري وضع تلك المجتمعات على سكة التفوق والاقتدار.
وجد شياع أنَّ الشروع في اصلاح وتحديث المناخ الثقافي العام وارساء الوعي الفني والفكري للمجتمع في صوره، التي تحتم الايمان بالفكر الحديث والعلمي المؤسس على المعاني الوطنية وشرعة حقوق الانسان المرتكز على العلم ومعطياته المتبني لفلسفة متحركة في الحياة المتخذة لأهداف منتقاة على تلك الاسس هي ضمانة اكيدة لانطلاقة فاعلة ومثمرة مبرهن عليها من خلال تبنيات شعوب سبقتنا في هذا المضمار وحققت فيه نجاحات مشهوده مع عدم اغفال المقاربة، التي يتطلبها وعينا الجمعي وموروثنا الثقافي في تدرج لا يضعنا على عتبة صادمة ومتشنجة وقد مضى كامل شياع بمشروعه الحضاري والفكري والانساني وهو مشروع لايتحمل اعباءه فرد واحد بنجاح كبير واستجابة وطنية، اذهلت كل المراهنين على طوباوية المشروع، ولم تقتصر نجاحات مشروع كامل شياع على مثقفي وفناني الداخل، بل حظي بإعجاب ومساندة السواد الاعظم من مفكري وفناني العراق في الخارج على نحو اثار مخاوف وحفيظة واضطراب الطرف المناوئ، فكان القرار الخاطئ والمتسرع بايقاف ذلك الدفق الانساني الحاني وتلك النوايا الصادقة البناءة والنبيلة بقرار اغتياله. وقد صادف ان كنت في ضيافة الفقيد الليلة التي سبقت استشهاده وقد عرضت عليه مغادرة العراق لبعض الوقت على سبيل المهادنة وتخفيف التوتر، خصوصا انه قد حقق نجاحات افزعت المخالفين غير انه رفض بكل شجاعة واقدام لا تتوقعها من شخص هادئ الطبع نحيل الجسد نبيل المقاصد مثله. وقال: "اني مستعد ان اواجه مصيري الذي اتوقعه من غير ادنى خوف من ارادة جاهله واني مؤمن بهذه الدرجة من التضحية ولا أفكر حتى باستخدام اي سلاح تقليدي، عدا ارادتي وثقتي بأحقية ما ادعو اليه، فقد رسمت طريق وجودي ومصيري بوحي من وعيي وارادتي، مترفعا عن مقارعة العنف بالعنف والجهل بجهل مثله».