رضوان عقيل*
أدى انفجار مرفأ بيروت وما خلفه من شريط من المآسي التي زنرت بيوت اللبنانيين الى تهافت المنظمات الدولية الإغاثية من دول كبيرة وصغيرة على المستوى الاقتصادي من أميركا الى بنغلادش وما بينهما، إذ أرسلت الأطنان من المساعدات عن طريق الموانئ البحرية والجوية والمعابر البرية لمد بلدٍ لم يبقَ من دولته، إلا الهيكل العظمي في مؤسسات مشلولة جراء سياسات خاطئة لا بل قاتلة مارستها السلطات والحكومات المتعاقبة وصولا الى حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة التي ورثت أثقالاً من أسلافها.
من يتجول في الشوارع المنكوبة في الأماكن التي أصابها الانفجار في الأشرفية والجميزة والكرنتينا ومار مخايل وضواحيها يخرج مصدوماً وحزيناً وهو يعاين الاحياء المتضررة والمنازل التراثية التي تحفظ تاريخ بيروت، حيث سفك الانفجار دماء بريئة وقبض أحلام أطفال كانوا يحلمون بوطن أفضل ودولة ساهرة لم تكن على مستوى طموحاتهم. في هذه الأماكن تصادف أفواجاً من المتطوعين وعشرات المنظمات الانسانية والاغاثية من بلدان عربية وغربية وأكثرها من دول اوروبية، إذ يقوم أفرادها الى جانب جمعيات محلية في مد يد العون للأسر المشردة والمقهورة. ومن المفارقات غير المقبولة أن تقديم هذه المساعدات بواسطة فرق هذه المنظمات ومن دون تعميم لا يتم من دون ضجيج إعلامي وانشغال فلاشات المصورين وكاميراتهم في مطاردة وجوه أفراد أسر مستورة ونقل مباشر لمحطات التلفزة في مشاهد تنتقص من خصوصية المرء المعوز والمحتاج واستغلال حاجته.
في المقابل ثمة جمعيات نزلت الى الأرض وعاينت الأحياء ودخلت الى البيوت المتضررة ومن دون أي استعراضات ومنها جمعية آل البيت الخيرية التي يرعاها المرجع آية الله السيد علي السيستاني، إذ عمد أفراد من مكتب خدماتها الاجتماعية بتوجيه من ممثل المرجع الحاج حامد الخفاف – وزير خارجية المرجعية- في التجوال على أصحاب المنازل المتضررة بالتعاون مع لجان الأحياء وبناءً على داتا جمعت معلومات موثقة عن أصحاب المنازل المتضررة. من دون مقدمات يقرع العضو في مكتب الخدمات باب الشقة المتضررة ليطلع على الأضرار في الزجاج المكسر في النوافذ والشرفات جراء عصف الانفجار. ويحصل المتضرر على مساعدة مالية على الفور تسد مساحة من حاجته وتبلسم جراح أفراد هذه الأسر الفقيرة والمتوسطة التي لم تكن في وضع معيشي في الأصل قبيل الانفجار جراء الازمة الاقتصادية والمعيشية التي زادت وطأتها والتي ارتفع معدلها بعد تدمير المرفأ وعدم قدرة اللبنانيين على التصرف بودائعهم المحجوزة في المصارف!.
لم تميز جميعة آل البيت بين أصحاب هذه المنازل سواء كانوا من الشيعة او السنة من العرب او الأكراد، وهذا ما حصل على أرض الواقع وتطبيقه في محلة خندق الغميق في العاصمة. وتتابع فرق الجمعية جولاتها هذه على مناطق تقطنها أسر مسيحية، إذ يتم العمل وفق القواعد التي أرساها المرجع السيستاني في العراق، إذ لا يحيد عن إرساء مبادئ أسس هذه المدرسة الانسانية العالمية من دون التمييز بين بني البشر على أساس ألوانهم او دياناتهم، في دلالة على أن قلبه الأبيض والمشبع بالايمان والتقوى لا ينتهي عند حدود العراق، بل يمتد في أربع رياح الارض يمكنه أن يصل إليها ليغرس في تربتها روح المحبة والتلاقي ومن دون أي تمييز بين إنسان وآخر.
قدمت الجمعية في بيروت درساً لأكثر من منظمة محلية او خارجية، على عكس جهات عملت على استثمار كارثة المرفأ وأدخلتها في رأس أجنداتها والتصويب نحو جهات منافسة ومناوئة لها في البلد، في وقت لم تشفَ جروح اللبنانيين الجسدية والنفسية بعد، إذ يظهر الا مانع عند الكثيرين من ممارسة لعبة الرقص على الدم في بلد أنهكته المناكفات وأغرقته الانقسامات جراء انعدام الثقة بين مكوناته السياسية وهي تختلف على إعمار بيروت ومقاربة التحقيقات في زلازل المرفأ. نعم يعيش لبنان في مسلسل جنون سياسي مفتوح وسط كل هذا الضجيج والصراخ المفتوح، ولو على حساب لبنانيين وجدوا في من ينجدهم ويساعدهم من منظمات وجمعيات ومراجع دينية كبيرة ومؤثرة من دون أي حسابات او غايات لها سوى وحدة اللبنانيين وبلسمة جراحهم.
كان في مقدمة هؤلاء المرجع السيستاني إذ «غزت» أعماله الإنسانية وتعاليمه منازل أبناء بيروت المنكوبة.
* صحافي وكاتب سياسي لبناني