{بلازما الدم}.. علاجٌ فعال أم جاء لأسباب سياسيَّة؟

من القضاء 2020/08/25
...

واشنطن/ أ ف ب
سمحت الولايات المتحدة بصفة مستعجلة بنقل بلازما الدم من أشخاص شفيوا من (كوفيد - 19) إلى مرضى يعالجون منه في المستشفى. فهل هذا العلاج فعال وآمن؟ أم أنَّ السماح به يعود لأسباب سياسية؟ في ما يلي ما يجب أن نعرفه عنه: 
 
ما هو علاج البلازما؟
عندما يصاب أحد بـ(كوفيد - 19)، يُنتج جسمه أجسامًا مضادة لمحاربة فيروس كورونا المستجد المسبب له. وتتركز الأجسام المضادة في البلازما، الجزء السائل من الدم.
يقوم العلاج الذي سُمح به الأحد الماضي على أخذ أجسام مضادة من أشخاص أصيبوا بالعدوى لكنهم تعافوا، مما يُسمى بلازما النقاهة، وحقنها في المرضى.
جُربت هذه الطريقة لأول مرة في عام 1892 لمكافحة الدفتيريا، ثم ضد الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918.
 
هل هو آمن؟
لم تُعط إجابة محددة لهذا السؤال حتى الآن، لكن النتائج الأولية مشجعة.
في حزيران، تابعت شبكة مستشفيات مايو كلينيك الأميركية نقل البلازما لدى مجموعة من 20 ألف مريض ولاحظت معدلًا منخفضًا للغاية من الآثار الجانبية المعروفة. 
وقال الدكتور سكوت رايت الذي أجرى الدراسة لوكالة فرانس برس "خلصنا إلى أن استخدام بلازما النقاهة آمن".
 
هل هو فعال؟
في ما يتعلق بمسألة فعاليته، يتفق جميع الخبراء على أن هناك حاجة إلى مزيد من التجارب الإكلينيكية لمقارنة البلازما بطرق الرعاية القياسية.
وقالت الدكتورة سوميا سواميناثان، كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية: "في بعض الحالات، تشير النتائج إلى تسجيل فوائد، لكنها لم تكن قاطعة".
واقترحت دراسة أخرى من مايو كلينيك أن البلازما ساعدت في تقليل معدل الوفيات لدى المرضى عند ما حقنوا بها مبكرًا وكانت مستويات الأجسام المضادة مرتفعة. 
لكن الدراسة، وهي لم تكن تجربة إكلينيكية، لم تخضع بعد لمراجعة الأقران ولم تستخدم دواءً وهمياً. 
ويجري باحثون في جامعة جونز هوبكنز دراسة موازية تستخدم فيها البلازما لمحاولة تحصين المرضى ضد فيروس كورونا قبل أن يمرضوا. وقد قارنها الدكتور ديفيد سوليفان، المشرف على التجربة، بما يشبه "اللقاح الفوري".
وقال لفرانس برس إنه إذا كانت النتائج قاطعة "يمكننا إخبار الأشخاص المعرضين لخطر كبير بأنه يمكنهم الحصول على العلاج في وقت مبكر وبأن ليس عليهم أن يقلقوا بشأن الذهاب إلى المستشفى".
ولكن هذا الخيار، إذا ثبت أنه فعال، لا يمكن استخدامه على نطاق واسع. ويعتقد بعض العلماء أنه سيكون من الأهمية بمكان تطوير أجسام مضادة اصطناعية، تسمى الأجسام المضادة أحادية النسيلة، والتي يسهل توزيعها على نطاق واسع. 
 
هل هناك أسباب سياسية؟
شكك المعلقون السياسيون في توقيت صدور الإذن عن وكالة الأدوية الأميركية باستخدام هذا العلاج قبل شهرين فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفيما يتعرض دونالد ترامب للانتقاد بسبب إدارته الأزمة الصحية ويبدو متخلفاً عن منافسه الديموقراطي في استطلاعات الرأي.
في نهاية آذار، كانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أذنت بالفعل بصورة طارئة باستخدام دواءي الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين، وهما علاجان دافع عنهما الرئيس. لكن الإذن سُحب بعد التحذيرات من آثارهما الجانبية على القلب، وبعد دراسات واسعة أظهرت أنهما غير فعالين ضد (كوفيد - 19).
في إعلان الأحد عن الإذن باستخدام علاج البلازما، قدم دونالد ترامب وكذلك وكالة الأدوية إحصائية رئيسة بشكل محرّف، بقولهما إن البلازما خفضت معدل الوفيات بنسبة 35 %.
وأوضحت متحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء في وقت لاحق أن الرقم يشير في الواقع إلى انخفاض خطر الوفاة لدى لأشخاص الذين تلقوا مستويات عالية من الأجسام المضادة في دراسة مايو كلينك، مقارنة بأولئك الذين تلقوا مستويات منخفضة منها.
حتى أن مدير إدارة الغذاء والدواء الدكتور ستيفن هان اعتذر عن تحريف مدلول هذا الرقم.
وقال المسؤول في تغريدة على تويتر مساء الاثنين: "لقد تعرضتُ لانتقادات بسبب التصريحات التي أدليتُ بها مساء الأحد حول فوائد بلازما النقاهة. النقد له ما يبرره تمامًا. ما كان يجب أن أقوله هو أن البيانات تظهر انخفاضًا نسبيًا في المخاطر وليس انخفاضًا مطلقًا في المخاطر".
واستنكر الدكتور ماثيو هاينز الذي عمل في وزارة الصحة في ظل إدارة أوباما الأمر قائلاً إن "هذا يقوض مصداقية الحكومة الأميركية بأكملها". 
لكن الدكتور دانيال هانلي الذي يرأس التجارب الإكلينيكية في جامعة جونز هوبكنز أكد أنه تم بالفعل الوصول إلى مستوى النتائج اللازمة لإعطاء الإذن بصفة عاجلة.
 
هل يجدي؟
اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية استخدام عمليات نقل البلازما في حالات الإصابة بفيروس كورونا في ظروف محددة، منها تردّي حالة المريض أو في التجارب السريرية.
وبهذا تكون الإدارة رخصّت استخدام البلازما لعلاج فيروس كورونا في حالات الطوارئ دون باقي الحالات، مستندة في قرارها إلى أنَّ البحث الأولي يشير إلى أن استخدام البلازما في هذا الصدد كفيل بتقليص أعداد الوفيات وتحسين الحالة الصحية للمرضى إذا استُخدم هذا العلاج في الأيام الثلاثة الأولى من دخولهم المستشفى.
على أن هناك حاجة إلى مزيد من التجارب لإثبات فعالية هذا الأسلوب العلاجي.
وقالت إدارة الغذاء والدواء الأميركية إنها توصلت إلى أن هذا الأسلوب آمِن بعد ملاحظة نتائجه على 20 ألف مريض ممن عولجوا به حتى الآن.
وقالت الإدارة إن أكثر الفئات المستفيدة من هذا الأسلوب العلاجي، هم المرضى الذين تخطوا عامهم الثمانين ممن لم يوضعوا على أجهزة تنفس وحصلوا على بلازما تحتوي على مستويات عالية من الأجسام المضادة، مسجلين بعد شهر من العلاج نسبة شفاء تتجاوز 35 في المئة، مقارنة بأقرانهم ممن حصلوا على بلازما تحتوي على أجسام مضادة بمستويات منخفضة.
 
مرتاحون لذلك
وقال مدير تقييم المواد البيولوجية والبحوث في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، بيتر ماركس: "بدا أن هذا العلاج آمن ونحن مرتاحون لذلك، وما زلنا لا نرى أية إشارة تبعث على القلق في ما يتعلق بأمان استخدامه".
وأعرب عدة خبراء، بينهم عضو فريق عمل البيت الأبيض لعلاج فيروس كورونا أنطوني فوتشي، عن تحفظاتهم بشأن قوة الدراسات في هذا الصدد حتى الآن.
وقالت الجمعية الأميركية للأمراض المعدية في بيان لها: "رغم ظهور بعض الإشارات الإيجابية على أنَّ بلازما الأشخاص المتعافين يمكن أن تفيد في علاج مرضى (كوفيد – 19)، لكننا نفتقر إلى بيانات عن تجارب عشوائية محكومة حتى نتمكن من الوقوف أكثر على فعالية هذا الأسلوب في علاج (كوفيد – 19).
أما جوناثان راينر، أستاذ العلوم الطبية في جامعة جورج واشنطن، فيرى في الأمر "حيلة سياسية".
وكتب راينر على تويتر: "بلازما المتعافين قد تساعد بدرجة ما، لكننا في حاجة إلى بيانات قاطعة".
وقالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي إن "بلازما المتعافين من كوفيد-19 يمكن توفيرها على أساس تجريبي عبر إنتاج محلي شريطة مراعاة معايير تتعلق بالأخلاق والأمان في عملية تجهيزها واستخدامها".
وفي وقت سابق من العام الحالي، منح المشرعون الأميركيون ترخيصا بالاستخدام في حالات الطوارئ لعقار ريميديسفير الذي أنتجته شركة جلعاد للأدوية لعلاج فيروس كورونا.
ويشير تقرير نشرته صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية إلى أن البيت الأبيض ينظر منح ترخيص بالاستخدام في حالات الطوارئ لعقار طورته شركة أسترازينيكا، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية المزمعة في الثالث من تشرين الثاني.
ولم يعلق البيت الأبيض على تقرير الصحيفة البريطانية، لكنَّ متحدثا باسم شركة أسترازينيكا قال إن نتائج فعالية الدواء عبر التجارب من غير المتوقع أن تظهر قبل وقت متأخر من العام الحالي.