الكاظمي في بيت الأحزان

آراء 2020/08/25
...

نوزاد حسن
أحياناً اتخيل نفسي مقتولاً برصاصة، ليست طائشة، أقول هذا لأنني انسان يعيش في ظل وضع سياسي قلق تحدث فيه عمليات اغتيال لا نسمع عنها، وانما نراها أمامنا مصورة في كاميرات البيوت، والشوارع الرئيسة.
مشهد أكاد اقول إننا ألفناه مجموعة مسلحة تترصد شخصا في الليل او النهار ثم تهجم عليه في مشهد صامت يذكرنا بافلام الابيض والاسود، تتكرر اللقطة عدة مرات في الفضائيات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، نعلق على الحادثة، وقد تثير لغطا وانزعاجا لدى الناس، وفي احيان كثيرة تفجر مثل هذه الحوادث غضبا داخليا يحرق دمنا في الشرايين الضيقة.
أتخيل نفسي قتيلا برصاصة، اصحح لكم لن اقتل، لأنني لم افعل شيئا استحق عليه القتل، البعض من اصدقائي يحذرني دائما بعد أن تحدث عملية اغتيال لناشط او كاتب، يأتيني صديقي محذرا، انتبه على نفسك، يقول لي، خفف من النقد، الاهل يساهمون بعملية تحذيري ايضا، لكني لا احس بأنني اصنع شيئا خطيرا، وكنت دائما اقول لهم، انا اكتب كلاما ليس فيه قنابل موقوتة، انا اكتب من دون الغام، انا اقول يوجد فساد، وتوجد محاصصة، وان قلت هذا فأنا مقلد مثل الببغاء لما يقوله هذا السياسي او ذاك البرلماني.
دعوني اقول لكم: أنا كاتب محايد لا احب الحياة كثيرا لكني اريد أن انتهي من بعض الاعمال قبل أن اقتل، اعيد ولن اقتل، لكني اظن أن لحظة انجازي لما تحت يدي من عمل فقد اكون شخصا اخر، اي انني سأضع في كلماتي قنبلة موقوتة.
اذاً دعوني اتخيل تنفيذا لتوقعكم ياأصدقائي أنني قتلت، خرجت من البيت صباحا للذهاب الى شارع المتنبي لشراء كتاب لبورخس، وبعد أن القيت نظرة على جامع الحيدرخانه بورع شديد متذكرا تاريخه الحافل، سرت باتجاه تمثال المتنبي,وجلست هناك متأملا الضفة الاخرى التي تواجهني، أراقب الناس من حولي، البعض منهم يلتقط الصور التذكارية والبعض الاخر ينظر مثلي في صمت الى جسر الشهداء، او الى النهر.
في تلك اللحظة يظهر شخصان ملثمان يتجهان نحوي من الخلف من دون أن اعرف شيئا يطلقان علي الرصاص، فاسقط متدحرجا الى الاسفل، حيث العبارة التي منها يصعد الناس الى زورق يقلهم الى الضفة المقابلة، يتدفق دمي حارا، بينما الناس ينظرون، يهرب القاتلان الى جهة مجهولة، وفي هذه اللحظة يتحول بيتي الى مكان اخر جديد اسميه بيت الاحزان. بيت الاحزان ليس بيتا عاديا، انه مقبرة في صورة بيت، من يملك تحويل البيت العادي الى بيت للاحزان هم القتلة وحدهم، تغيير جنس الدار عملية صعبة جدا، يرافق عملية تغيير جنس البيت شيء اخر لا يفهمه اهل المغدورين، فجأة تتغير قلوب ساكني بيت الاحزان الى قلوب ثقيلة جدا لا يعرفونها، قلب الام والاخت والاخ والزوجة والابناء. تخيلوا حجم الكارثة العظيمة التي ستحصل، تغيير في كل شيء، الاثاث يفقد لونه ويصبح باهتا مغبرا، الابواب كأنها تتحدث عن لمسات لا تزال دافئة، صدى الكلام، واخر ما قاله المغدور وهو يغادر.
يزور الكاظمي بيت الاحزان، ويخاطب ابني الوحيد ويمسح على شعره، ويتحدث مع زوجتي التي لا احد لها، يحاول الكاظمي تهدئة اخواتي وامي، كل هذا سيحدث وانا بعيد جدا، لكن ما سيبقى هو تدفق الدمع المالح المليء بدعاء الانتقام.