الثورة الحسينيَّة والأثر الإيماني

آراء 2020/08/26
...

علي لفتة سعيد
 
في كلّ عامٍ نمارس الطقوس ذاتها ، مثلما نردّد ذات الشعارات، ونمضي قدماً في عملية ملاحقة الأثر الإيماني بصورةٍ أو بأخرى وبطريقةٍ أو أخرى باستغلال المنطلق العاطفي مرّة، أو استهلال المنطق العقلاني الذي يتخذ من الذكرى ذاكرةً وهدفاً.. وفي كلّ عام نبحث عن أنفسنا في خضم الضياع الذي نعيشه، فنجد في مثل هذه المناسبات الدينية لحظة تنويرٍ تارةً، ولحظة احتجاجٍ تارةً أخرى، ما دامت الذكرى عِبرةً وعَبرةً في امتزاج الحالة الوجدانية مع العقلية لإنتاج واقعٍ لا يسير بحذافير ما يراد، بقدر ما نريد أن نسير نحن إليه، لأننا نبحث عن أنفسنا وسط ضوء المناسبة التي تعدّ واحدةً من أكبر المناسبات التي تشهد ممارسات طقوس ربما على مستوى العالم .
في كلّ عامٍ عندما تحين ذكرى استشهاد الحسين (ع) نشرع الى عمليةٍ مزدوجةٍ بين البحث عن الذات المفقودة، والبحث عن خيارات الالتصاق بالإيمان، وبين البحث عن فرصة التماهي مع الثورة بهدف مواصلة عملية التغيير التي يحتاجها الواقع الراهن، وبين دلالة الرفض التي أطلقها  الحسين (ع) في وجه السلطة حين رفض المبايعة على أساس أن لا مسايرة مع الفاسدين، وبين أن نجد تلك النقطة الغيبية التي تحوّلت الى مسارٍ وهميٍّ ضبابيٍّ لا يمكن الولوج الى حيثياته ولا يمكن الوثوق بالوصول إلى التفاصيل، مثلما لا يمكن الركون الى إن ما هو حاصلٌ الآن قادرٌ على الإتيان بتفاصيل الماضي، فنبقى في محاولات البحث عن النقطة المهمة التي سلّطت عليها الثورة الحسينية الضوء، إلا وهي مقاومة الظلم.. ولكن رغم هذا ظلّت هذه المقاومة محصورةً في عملية جلد الذات للتأكيد على الولاء، وترسيخاً للإيمان، وتوضيحاً للمأساة، ورسماً للمعاناة، وطريقاً للمواصلة، وإعلانا للتحدّي، لذا فانها حملت شعاراتٍ مختلفةً وهتافاتٍ متنقلةً ما بين الماضي الذي أتى به الأوّلون، والتي كانت شعاراتٌ أو أدعيةٌ تذكيريةٌ متساوقةٌ مع عظم الفاجعة وتهويل اللغة.. وبين الشعارات الحاضرة التي يردّدها الناس الآن على أساس إن الارتباط مستمرٌّ في استثمار الثورة التي انطلقت شرارتها من لحظة رفض الإمام للمبايعة، في تلك الجملة المشهورة التي حملت (لا ) الكبيرة بعنوانٍ سماويٍّ، وتأكيدٌ إنسانيٌّ وتربيةٌ اسريةٌ ومسيرةٌ إيمانيةٌ في بيت النبوة، حتى لكأن المشاركة في الشعائر في عنوانها الأسمى، إن تلك الـ ( لا) كانت أثراً لمواصلة الاحتجاج  وإن كان أحد أوجهه هو جلد الذات، لأنه يعطي مدلولاً على أن الثورة في شعائرها حزن وبكاء، رغم إن الكثير يحملون بعض الممارسات على إنها مغالاةٌ أو إنها حملت معها ما هو خارج  عن سياق الثورة، وما هو مزاحٌ عن الهدف الأسمى للإيمان، فدخلت عليها تلك الممارسات الولائية،   التي لا يمكن أن يتقبّلها العقل، وما رفضته المراجع الدينية ، لأننا ندرك أن الحقيقة دائماً يحوم حولها المنافقون بغية  تشويهها، ولا يمكن تبرئة أعداء الثورة ذاتها من صهيونية وكراهية دينية من محاولة غرس هذه المخالفات على إنها الحقيقة، التي اسهم فيها المخيال الشعبي من جهةٍ وما تلقفه بعض الخطباء من جهةٍ أخرى في ترديد المخالفات على إنها حقائق مسلمٌ بها، وهو الأمر الذي دعا فيه المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني الى اصدار تعليمات أو فقرات داخل بيانٍ اكدت ضرورة الحفاظ على الثورة من تلك الدواخل التي تريد تشويه الحقيقة ونزع ثوب التحدي وجعله ثوباً عادياً وبالتالي تكون الثورة مزاحةً عن هدفها في مقاومة السلطة الدكتاتورية أو جعلها مجرّد مناسباتٍ للذكرى.