الحسين (ع) بوصلة الأمم والشعوب

آراء 2020/08/28
...

محمد عدنان محمود
حدد الله سبحانه وتعالى علاقة المؤمنين بالنبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وبأهل بيته الاطهار في آية المودة في القربى، فقال جل في علاه في سورة الشورى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ذَلِكَ الَّذِي يبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكورٌ﴾. صدق الله العلي العظيم. 
اخترنا الآية الكريمة منطلقاً لحديثنا فهي الدليل الناصع والذي لا غبار عليه، كون المودة لأهل البيت هي المحبة الممتدة لا تقتصر على صدر الاسلام، وانما تشمل المسلمين في كل مكان وزمان، هذه الآية جعلت احرار العالم يقصدون اهل بيت النبوة لزيارة مراقدهم بمودة ومحبة لا تنقطع، ففي كل سنة يتجدد العطاء ويتجدد معه توافد احرار العالم ومحبي الامام الحسين(ع) الى كربلاء، فيكون هو البوصلة وهو المقصد ، وتفتخر ارض العراق ان تكون هي ساحة اللقاء ومكان تجديد العهد لسبط الرسول، انها بحق نعمة من نعم السماء التي انعم الله بها على هذا البلد، حين اختيرت ارضه لتكون مستقر الائمة الاطهار، واصبح على مر العصور ساحة لقاء الامم والشعوب وتوافد الانسانية من مختلف بقاع الدنيا، فتلتقي الثقافات والانتماءات الاجتماعية بمشاربها المختلفة في صورة هي الاروع والاجمل شعلة لا تنطفئ، ومعها تتدفق مشاعر العراقيين بمؤسساتهم الرسمية وغير الرسمية في التعبير عن دوافع المحبة والاحترام للوافدين القادمين نحو كربلاء، وتجتهد الدبلوماسية العراقية بشقيها الحكومي والشعبي لتقدم كل ما بوسعها في سبيل تحقيق غاية اللقاء في حضرة ابي الاحرار وثائر الانسانية والعطاء، واذا كان واجب الدبلوماسية الرسمية ،لاسيما وزارة الخارجية من خلال دوائرها المعنية وبعثاتها كافة، ومهنيتها يحتم عليها أن تأخذ على عاتقها تسهيل مهمة دخول الزائرين الى العراق، واذا كانت هذه الدبلوماسية مهمتها اقامة وتعزيز العلاقات بين الحكومات، فان الدبلوماسية الشعبية تؤدي دوراً مكملاً الى جانب العمل الرسمي فهي تستهدف تحقيق التفاعل والتواصل بين الشعوب، في جهود طوعية تضامنية، تدعم بالمحصلة جهد الدولة في بناء افضل العلاقات مع دول وحكومات العالم المختلفة.
لقد برز مصطلح الدبلوماسية الشعبية في السياسات الخارجية لبلدان العالم المتقدم، واستطاعت تلك الدول ان تُفَعل دور الشعب ومؤسسات المجتمع المدني في بناء علاقات متميزة مع شعوب العالم الاخرى، والتي تنعكس بالمحصلة على علاقات دولية متميزة، فالدبلوماسية الشعبية تعبر عن نفسها في عدة اهداف اساسية ، فهي اولاً تمثل جهداً شعبياً بالاعتماد على القدرات والامكانات البشرية باعتبارها احد الفواعل الاساسية في سياسية الدولة، كما ان الدبلوماسية الشعبية، تهدف ايضا الى تعزيز اولويات السياسة الخارجية من خلال ايصال الصورة الناصعة والمشرقة التي تتناقلها وسائل الاعلام، وايجاد مساحات مشتركة للحوار والتفاهم خارج اطار الدولة، والتأثير في توجهات ومنطلقات الشعوب الاخرى ومجتمعاتها المدنية، ان التطبيق الدقيق للدبلوماسية الشعبية وطريقة التفاعل مع الشعوب الاخرى، سيجعلانها تؤمن بوحدة البلد والحفاظ على نسيج المجتمع وتماسكه، فالمواطنة والمشتركات القيمية والتلاحم اهم اسس نجاح الدبلوماسية 
الشعبية. 
وهنا تكون المراسيم العاشورائية مثالاً صادقاً لتطبيق مفهوم الدبلوماسية الشعبية، فيكون الشعب العراقي بما يحمل من قيم وثقافة وطريقة تعامل حضاري مع الزائرين والوافدين، سنداً للدولة في تطبيق سياستها الخارجية المنطلقة من مبادئ الدستور بإقامة افضل العلاقات مع دول العالم.
 فحين يأتي الى بلدك ملايين الزائرين سنوياً من مختلف الثقافات والاتجاهات والجغرافيات، فهم سيجدون امامهم ثقافة شعب يتعامل معهم تعامل الضيافة والكرم وحسن الاستقبال بأبهى الصور، ستتكون لديهم رؤية جميلة عن واقع العراق كما هو، لا تطلب اجور على طعام ينفقه ولا مبالغ لمكان ينام فيه هذا الزائر او ذاك، الذي يجد المواكب في كل مكان، وتزداد فخراً حين تسمع كلام الزائر القادم من الخارج عن حسن تعامل اهل العراق معه، انها رسالة حية وصادقة الى كل العالم لا تحتاج الى اعلام يضع لها مونتاجاً معيناً ولا مقدمات بلاغية، هي رسالة عفوية يحملها الطفل الصغير والشيخ الكبير قبل غيرهم في تعاملهم وتعاطيهم مع 
الوافدين.
وفي هذه السنة وعلى الرغم مما يمر العالم به من وباء واتخاذ الحكومات كافة ومن ضمنها الحكومة العراقية الاحترازات الصحية التي تتطابق مع معايير الصحة العالمية لغرض الحفاظ على ارواح الناس، الا ان المؤمنين يصرون على أن يقيموا شعائرهم ولو في حدودها المقتضبة، فالزائرون والوافدون من خارج العراق الذين كانوا يتوافدون اليه سنوياً، يرغبون بكل الطرق والوسائل أن يشاركوا في احياء مراسيم عاشوراء في كربلاء المقدسة، ويتصلون بمختلف البعثات الدبلوماسية والقنصلية العراقية على مدار الساعة علَهم يتمكنون من السفر الى العراق، رغم علمهم ان الاجراءات الصحية العالمية قد تحول دون ذلك، وهو امر يدل بكل تأكيد عن محبة الناس ومودتهم للامام الحسين (ع) ولاهل البيت اجمعين، وفي الوقت الذي يعز على العراقيين جميعاً ان يؤثر الواقع الصحي العالمي في ان يكون عام الزيارة هذه السنة استثنائياً بسبب اشتراطات الصحة العامة، والاحترازات المتخذة للحفاظ على الارواح وسلامة الناس جميعاً، فالشعب العراقي دون شك بجغرافيته كلها سيبقى مرحباً مضيافاً وتواقاً لاستقبال الزائرين من جديد وستحتفي سفارات العراق مجدداً في مختلف دول العالم في استقبال مواطني الدول الراغبين بالسفر الى العراق للسياحة الدينية، كما ستحتفل دبلوماسية العراق الشعبية بمواكبها ومجالسها بعودة الزائرين، اننا نراه قريباً، وستكون القلوب قبل ابواب السفارات وبيوت العراقيين مفتوحة لكل الزائرين من جديد، أليس الصبح بقريب؟والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.