{أنا ابن عليٍّ المرتضى}

ثقافة 2020/09/01
...

  ابراهيم قوريالي 

 
 
الفكرة أساس كل قصيدة، وهي أي الفكرة تتنوع وتختلف واحياناً تتشابه واحياناً تكون حديثة او مستهلكة او مملة او مكررة، وحسن اختيارها (صيدها) يعتمد بالدرجة الاولى على ثقافة الشاعر ووعيه الادبي وعمق شعوره، وعندما يجدها يبدع فيها ويختار لها كلمات تليق بمقامها، ثم يضعها في قوالب شعرية مناسبة لكلماتها الحزينة او الحماسية او التعبوية او غير ذلك لتظهر للوجود قصيدة رائعة لاتضاهيها العشرات من القصائد الأخرى، وربما تعيش اكثر من صاحبها بعشرات من السنين.
وجدتُ كل هذا في قصيدة حسينية كُتبتْ باللغة التركمانية المحلية وهي رائعة في حزنها بكل ما تحمل الكلمة من المعنى، كتبها الشاعر المهندس نورس رشيد وهو نجل الشاعر الكبير الراحل رشيد نورس داقوقلي، إذ توصّل الى فكرة رائعة ونادرة بفضل ثقافته الادبية والعقائدية لأنه تربى في كنف أسرة ادبية متدينة تؤمن بالثقافة الدينية والقومية والعقائدية، وقد تعلق بهذه الصفات وتهذب بها منذ صغره الى يومنا هذا، وكم كنتُ أتمنى ان أرى قرينة تلك في قصائد أخرى! نعم القصائد موجودة واصحابها مبدعون بوجود فوارق فكرية لاغير.
نعود الى هذه القصيدة التحفة التي ألهمها شاعرنا من خياله الخصب الممتلئ حزناً على معاناة ذرية واهل بيت الرسول صلوات الله عليهم جميعاً في واقعة الطف الأليمة عندما وقف جيشُ جرار بكامل عدده وعدته أمام سبعين شخصاً، جلهم من الاطفال والنساء والمرضى يعانون من حر الصحراء وعطش استمر عشرة ايام، وانبرى ابو عبدالله الحسين ابن بنت رسول الله امام حشده المبارك ليقف وجهاً لوجه مع قائد الجيش المقابل ليدلي بقصيدة رائعة يقول فيها لهم: منْ أنا؟ نسجها شاعرنا نورس من إلهامه الثر عسى ان تؤثر في معنويات الجنود الاخرين الذين ربما اكثرهم كانوا لا يعرفون منْ سيقاتلون ومنْ هم هؤلاء الناس البسطاء المساكين.
وأدناه الترجمة العربية للقصيدة
 
( أنا ابن علي مرتضى،
جدي ذلك الشخص الذي يأتي اسمه في آذان الصلاة خمس مرات كل يوم،
أنا ابن تلك السيدة التي عقدت قرانها في السماء،
أنا ابن ذلك المغوار الذي فتح باب خيبر،
أنا البقية الباقية من رائحة النبوّة،
أنا من بيت النبي،
أنا ابن الذي قال فيه جدي (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار)،
لستُ هنا لأقتل أحداً، 
لستُ هنا من أجل المال والدنيا لاشيء أمامي،
غايتي هي الإصلاح فقط،
لن أبايع أحداً، لأنني ابن خير نساء العالمين،
أنا سبط الرسول وأخ المجتبى،
اسألوا الأرض والسماء من نحن،
نحن أصحاب العباءة.
الكوفييون أرسلوا لنا مئات الرسائل
ونقضوا عهودهم ولم يعلموا بأني ابن صاحب اللواء.
أهكذا تقطعون الماء عن سلالة سلطان الكون؟ وتبيدونهم عن بكرة أبيهم؟
أتقتلون الرضيع علي الأصغر بين يديّ؟ وفعلتم ذلك
قاتلكم الله،
بدمٍ باردٍ قتلتم عليّ الأكبر شبيه النبي، 
ولن تعلموا بأني ابن ياسين وطه.
وهذه قطعة القماش التي ألبسها هي لرسول الله،
والسيف الذي بيدي يعود لوالدي المرتضى الذي فتح باب الكعبة .
اللهم اشهد نحن حجة الاسلام،
دعونا أيها الأشقياء 
فنحن نور الحقيقة وورثة الانبياء والإمامة حق لنا،
لأننا بنينا أركان الدين،
لن أبايع أحداً، إني ابن أسد الله.
( نورس) يقول هذا الحسين هو خامس أهل الكساء،
أيتها السيوف من أجل دين جدي رسول الله خذيني في أرض كربلاءِ،
المارقون حاصرونا وحرقوا خيمنا وأخذوا خير النساء سبايا في صحراء كربلاء،
اللهم اشهد لنا
إنهم يضربون زينب ابنة فاطمة الزهراء)..
 
هذه القصيدة الحسينية الرائعة انتشرت بصورة كبيرة في مجالس العزاء في كركوك وأطرافها بعد ان قام بادائها الرادود الاستاذ يشار حسن بصوته الحنين.
نحن بحاجة الى قصائد واقعية تحمل افكاراً جديدة تعرّف مأساة اهل بيت الرسول للجيل الجديد.
ننتظر المزيد من شاعرنا الكبير.