أسمار حديقة الدغارة

ثقافة 2020/09/01
...

  باسم عبد الحميد حمودي
زارها المرحوم الاستاذ حميد المطبعي عام 67 لتسلّم تبرعات مثقفي المدينة ومدرّسي الثانوية لصالح مجلة (الكلمة) واستقبلت الحديقة شيخ الشعراء الشعبيين أيامها الأستاذ سالم خالص الشهير بأبي ضاري ومعه كاظم الرويعي رفقة المرحوم الأستاذ عودة محمد عطية وآخرين من الأدباء، ولكل منهم حكاية.
لقد كانت لي في مدينة (الدغارة) - 17 كيلو مترا عن الديوانية - جنينة صغيرة في البيت الحكومي المخصص لمدير الثانوية، وقد سكنته بين 68 - 73 رغم أن عملي في ثانويتها قد بدأ عام 65، وذلك لشغله من قبل احد
 الأساتذة.
الطريف أن ثانوية الدغارة - وهي اليوم إعدادية- بقيت لسنوات لدى الأهالي تدعى بـ (المتوسطة)، إذ لم يكن مستواها قبل عام 65 يتعدى الثالث المتوسط حتى تم افتتاح الرابع الادبي ذلك العام، ثم تدرج مستوى ذلك المعهد وتم فتح القسم العلمي وتأسيس مختبرات الكيمياء والأحياء (مع الفيزياء) سنة 70، لكن بعض الاهالي استمر في تسميتها (المتوسطة) عرفا حتى تلاشى النطق بها!.
كان بيت الدغارة نوعا من البناء المعروف حكوميا والذي انتشر في معظم مدن العراق بالطابوق "العقادة" وبشكل شبه موحد قامت به وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت البلديات تتبعها في كل ناحية وقضاء لإسكان الموظفين من ذوي الدخل المحدود من الذين لا يملكون دارا، وكنت واحدا منهم بالطبع.
وقد وجدت نوعا من نماذج هذه الدور في منطقة الآثوريين في الدورة لسكنى عمال وموظفي المصافي وفي منطقة (الطعمة) حيث بنيت بيتي الأول عام 1977.
كان ذلك المنزل الصغير يتألف من مجموعة من الغرف من دون صالة ومنافع الدار وكان يكفينا، السيدة أم شهرزاد وبناتنا الثلاث ايامها ... قبل ان يزداد عدد أفراد الأسرة في بغداد.
أحلى مافي الدار وجود حديقتين: أمامية صغيرة قرب الباب الرئيسة وهي بحدود ستين مترا مربعا، وحديقة خلفية واسعة تتعدى الثلاثمئة متر مع فسحة مبلطة جميلة.
كانت الحديقة الخلفية مزدهرة بأنواع الأشجار من زيتون ومشمش وبرتقال، إضافة لأنواع من الصبير الملون المختلف الاشكال، والورود التي يتفنن فلاح البلدية بالعناية بها بين يوم وآخر.
كانت الراحلة أم شهرزاد تخصص وقتا دائما لرعاية الحديقة وتغدق العطاء لفلاحها رغم قلة الراتب ايامها، وهي داخلة في منافسة مستمرة مع سكان الدور المجاورة لدارنا وهي دار ضابط شرطة الناحية ودار كاتب الناحية الذي تحول فيما بعد الى مركز لرعاية الامومة والطفولة، واتخذت ممرضتان غريبتان عن المدينة غرفة فيه مسكنا لهما .
كان من زوار الحديقة القاص عائد خصباك المدرس (أيامها) في مدارس الديوانية وسائر مدرسي المدرسة وبينهم الاستاذ الدكتور صبيح عبد المنعم أحمد والمرحوم الاستاذ الدكتور محمد هليل رئيس جامعة القادسية الأسبق، أثناء عملهما معي قبل إكمال دراستهما.
وكان من زوار الحديقة والبيت الشاعر المرحوم عودة محمد عطية، الذي ألف كتاب (النثر الشعبي) الذي قمت بكتابة مقدمته الاولى وجادت بعدها مقدمة الاستاذ الشاعر عبد علي الخزاعي، وهو شاعر مبدع لكنه قليل النشر.
يرتبط الاستاذ عودة بصحبة ممتازة مع الشاعر (أبو ضاري) وهو الشقيق الأكبر للدكتور صلاح خالص، لكنه كان مهتما بالشعر الشعبي وكان يقدم برنامجه الوحيد من إذاعة بغداد زمن ازدهار الشعر الشعبي غير المتكسب، زمن عبد الرحمن عارف رحمه الله، زمن (ردي ردي وفراكين الهوى والدارميات)، زمن الإذاعة الواحدة والمنافسة الشعرية الشريفة، زمن مجلة (الكلمة) والادب الواعي النظيف المكتوب لخدمة حركة الثقافة العراقية والعربية، ويوم كان الكتاب والشعراء العراقيون نجوم الأدب في العالم
 العربي.
قام الأستاذ عودة باستضافة أبي ضاري وكاظم الرويعي في الدغارة وهيأنا لهما قاعة الثانوية لتقام فيها أمسية شعرية جميلة شارك فيها الشعراء الثلاثة: أبو ضاري والرويعي وعودة العطية، وقمت فيها بواجب التقديم والاشادة، وقد تحملت حديقة الدار عبء استضافة الشعراء وتكريمهم.
أخبار حديقة الدار في (الدغارة) كثيرة متنوعة ذكرت بعضها وأغفلت سواها لكنها تظل جزءا من حياة متوثبة ومن التاريخ.