جريمة السخرية من الشعائر والطقوس الدينيَّة في القانون العراقي

آراء 2020/09/01
...

  القاضي ناصر عمران الموسوي
الدين قبل كل شيء هو عقيدة وايمان  ،ولا يمكن بأي حال من الاحوال فصل البعد الروحي  المتمثل بالعامل الديني عن ذاتية الانسان وهو بعد مستقر ومجال دائم لا دخل للمتغيرات فيه، اللهم الا اذا حشر في بوتقة الصراع السياسي، لذلك لا بد للدين ان يكون في مأمن من  الصراع السياسي محتفظا ً برمزيته وسماحته التي تحث على الاخوة والتسامح وهو بالتأكيد يختلف عن البرنامج السياسي والرؤى الايديولوجية .
فالدين عقيدة ايمانية تتفيأ القلوب  بظلاله الوارفة، وله  ابعاد روحية  تشكل معطى ومنتجاً عقائدياً متكاملاً مع البعد الاجتماعي وتتخذ صورا ً سلوكية تعبر عن المكنون العقائدي عن طريق ممارسة الاحتفالات الدينية والتأبين والشعائر والمناسك الاوراد والابتهالات التي تتضمنها التعاليم والمعتقدات لكل ديانة او مذهب  او طائفة وتشكل جزء من هويتها الدينية والعقائدية.
  لذلك حرص  الدستور العراقي  على ضمان ممارسة هذه الطقوس والشعائر مع ضمان حقوق الهوية الدينية لغالبية  السكان من دون ان يغفل ضمان الهوية الدينية لكل طائفة وحرية ممارسة شعائرها وطقوسها الدينية  وهو ما جاء  بنص  المادة 2 / ثانيا ً (يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي.
 كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين )  والمادة  (3) منه التي تنص (على ان العراق  بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب ...) ولضمان الحرية الدينية وممارسة الطقوس والشعائر الدينية نص في  المادة (43/ اولا: اتباع كل دين او مذهب احرار في :  أ _ ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية .  
ثانيا ً _ تكفل الدولة حرية العبادة وحماية اماكنها. وفي الوقت الذي اعتبر الدستور الضمانة الهرمية القانونية للحرية الدينية وممارسة الطقوس والشعائر كتعبير عنها وحماية دور وأماكن العبادة ، فان المشرع الجنائي افرد فصلا ً في الباب الثامن من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وتحت عنوان (الجرائم التي تمس الشعور الديني ) معتبرا هذه الجرائم جرائم اجتماعية تهدد النسيج الاجتماعي لأبناء الوطن وتصيب الهوية الوطنية المشتركة بالوهن ، ولعل فعل السخرية من الشعائر والمناسك والاحتفالات والطقوس الدينية واحدة من هذه الجرائم التي وضع المشرع الجنائي عقابا لها حيث نص في المادة (372 / 6 )  يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة  ( من قلد علنا ً نسكا ً أو حفلا ً دينيا ًبقصد السخرية منه ) أو السخرية والاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يُضحك منه. 
وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء هو القيام بممارسة النسك او الاحتفالات و الطقوس الدينية بشكل ساخر أو الاشارة اليها قولا ً او فعلا ًو بشكل يؤدي الى عدم احترام هذه المناسك والاحتفالات والطعن برمزيتها لدى معتقديها و يبعث على ازدرائها  والسخرية من ممارسيها  وبشكل علني  ، والعلانية. 
كما وردت في المادة ( 19 / 3)  والتي جاء النص عليها بالوسائل المستخدمة وهي :  ( تعد وسائل للعلانية: أ – الأعمال او الإشارات او الحركات إذا حصلت في طريق عام او في محفل عام او مكان مباح او مطروق او معرض لأنظار الجمهور او إذا حصلت بحيث يستطيع رؤيتها من كان في مثل ذلك المكان او إذا نقلت إليه بطريقة من الطرق الآلية. ب – القول او الصياح إذا حصل الجهر به او ترديده في مكان مما ذكر او إذا حصل الجهر به او إذا أذيع بطريقة من الطرق الآلية وغيرها بحيث يسمعه من لا دخل له في استخدامه. جـ - الصحافة والمطبوعات الأخرى وغيرها من وسائل الدعاية والنشر. د – الكتابة والرسوم والصور والشارات والأفلام ونحوها عرضت في مكان مما ذكر او إذا وزعت او بيعت إلى أكثر من شخص او اذا عرضت للبيع في أي مكان) فاذا ما تم استخدام التقليد للمناسك والاحتفالات الدينية والسخرية منها بإحدى هذه الوسائل فان صفة العلانية وهي الركن المهم بتحقق الجريمة يكون حاضرا ويستحق مرتكبها العقاب وقد اعتبر النص العقابي ان التقليد الساخر للشعيرة الدينية هي اعتداء على الشعور الديني على ابناء الديانة او الطائفة او المذهب اضافة لما يشكله النص العقابي من حماية جنائية لهذه المناسك والاحتفالات والشعائر الدينية .