حمزة مصطفى
فاجأ رئيس وزراء اليابان شينزوا آبي اليابانيين والعالم بتقديم استقالته من منصبه لأسباب قولونية, أي صحية لا سياسية يعد آبي ثاني اثنين بعد عمه إيساكو ساتو ممن قضوا أطول مدة بهذا المنصب، ساتو تولى المنصب بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي, وآبي تولى منصبه الذي حرمه القولون منه منذ عام 2012، كالعادة وبالنسبة لبلد مثل اليابان ولشخصية مثل آبي فإن القصة تتعدى القولون الذي يصاب به سنوياً مئات ملايين الأشخاص في العالم من بينهم زعماء وملوك ورؤساء ووزراء وسفراء ورؤساء كتل سياسية وأحزاب فيسبوكية لتتحول الى قضية سياسية لها علاقة بالأسعار والنمو الاقتصادي والعلاقات بين الدول، فقولون آبي ليس أي قولون، بلا شك ان ما يترتب على إصابة زعيم مثل آبي بالقولون ليس مثلما يترتب على إصابة سواه بشتى أنواع القولونات، اليابانيون اهتموا بالأمر والعالم كذلك، ترامب (الرئيس الأميركي) نفسه اهتم بالأمر فعبر عن القلق من تداعيات إصابة صديقه العظيم كما قال بالقولون، آبي لم يهتم لكل ما قيل وما قد يقال، المسألة بالنسبة له أبسط مما يتصوره الكثيرون، رجل موظف بدرجة رئيس وزراء لا يهمه أن يكون اقتصاد بلاده الثاني أو الثالث بالعالم بقدر ما يهمه قولونه الذي وجه له الإنذار الأخير (كان الإنذار الأول 2006 فحرمه من المنصب بعد سنة من توليه آنذاك)، القولون لا يتفاهم إما أنا أو المنصب، آبي لم يكذب خبراً استجاب لتحذير قولونه فقرر ترك منصبه نائما ملء جفونه عن شوارده "القولون"، لم تخرج تظاهرات في اليابان تطالبه بالعدول عن قراره، لم يصوره أحد "وهو مايدري" في أي شأن من شؤونه الخاصة أو العامة، فكل شيء مفصول بين ما هو شأن عام وبين ماهو خاص، قولونياً بدا قرار آبي شأنا خاصا، فأرحام الماجدات اليابانيات ممن أنجبت آبي ومن قبله عمه ساتو قادرة على إنجاب زعماء أصحاء بمقدورهم إدارة شؤون اليابان في ظل عالم مضطرب في كل شيء، وحين يصاب هؤلاء الزعماء بأي مرض حتى لو كان بسيطاً وتافهاً ولا داعي لذكره بل من المعيب ذكره لدى شعوب أخرى فإن البديل جاهز دون "جر وعر" وجيب ليل وخذ عتابة وهذا طويل وهذا قصير وتعهدات وشروط و"عين حمرة وعين صفرة ومرات خد وعين"، اليابان بلد آسيوي مثلنا وحاله حال ماليزيا وسنغافورة وسيريلانكا وكل بلدان شرق وجنوب شرق آسيا بمن في ذلك أختنا الآسيوية الكبرى الصين لكن ثمة فرقاً بيننا وبينهم على صعيد ثقافتي الحكم والاستقالة، ففي ماليزيا يعود الحكيم مهاتير محمد الى السلطة التي غادرها قبل عشرات السنين وهو الآن في سن الرابعة والتسعين، لا أحد يصفه بالتشبث بالسلطة لأن مفهوم السلطة يختلف في هذا البلد بقدر قدرة الشخص على العطاء، وفي اليابان استقال رئيس الوزراء بمجرد إصابته بالقولون، هل يتصل الأمر بمفهوم ثقافة الاستقالة؟
لا الأمر يتصل هنا بالقيم الأخلاقية فقط، سؤال بريء.. كم زعيماً في منطقتنا مصابا بشتى أنواع الأمراض أقلها شأناً القولون؟
حدث ولا حرج، أما القولون فإنه في حال ثبت إصابة أحدهم به بدلا من الضغط والسكري والقلب والمفاصل والديسك فإن برقيات التهاني سابقا والتغريدات حاليا تملأ "تويتر" بسلامة الزعيم، فالقولون لا يفسد للتمسك بالسلطة قضية.