النسيان لا يعالج حزن الطف

آراء 2020/09/01
...

نوزاد حسن
 
مناسبتان تشعرني كلٌ منهما بأنني حزين جدا، المناسبة الاولى هي مولد النبي عليه السلام، والثانية هي استشهاد الامام الحسين في العاشر من محرم، وبين تناوب هذه المناسبة وتلك اعيش حالة خاصة، لا يشاركني فيها احد، فهناك انفعالات شخصية الى أبعد الحدود، ولا يمكن لاحد ان يلمحها او يحس بها.
 من الممكن تصنيف انواع الحزن في قائمة طويلة، يحزن الانسان لموت أحد، أو يحزن اذا فقد وظيفته او احترقت سيارته، او هاجر ابنه، او احترق بيته، قائمة الحزن تطول لكن في النهاية يعترف الانسان أن الحياة، لا بد من ان تستمر، وأن الله اعطى للأنسان نعمة كبيرة جدا هي نعمة النسيان، هذا النسيان هو علاج لكل انواع الحزن التي ذكرتها ويعرفها الجميع لأنهم قد عاشوها.
 من المؤسف جدا أن قائمة الحزن الطويلة التي يعالجها النسيان، لا يوجد فيها حزن دستوفسكي الذي يسميه «بالحزن الحضاري» كما ان تلك القائمة لم تتطرق الى حزن المناسبتين، اللتين تحدثت عنهما في بداية مقالي.
 النسيان اضعف من ان يعالج احساسي القوي بحزن تثيره ذكرى الطف، دعوني اتحدث عن استشهاد الحسين عليه السلام قليلا تاركا الحديث عن مناسبة لادة النبي لوقت آخر.
 ما يميز العاشر من محرم هذا العام هو انه جاء في وقت الخريف، بالنسبة لي على الاقل يعطي فصل الخريف طابعا حزينا لكل شيء، هذا ما احس به دائما، وكثيرا ما يلفت انتباهي ضوء الشمس الاصفر، الذي يصبغ كل شيء في اوقات محددة من النهار كوقت العصر مثلا، وفي ظل هذه اللوحة اطل طف الحسين عليه السلام شامخا، فولد في اعماقي حزنا مضاعفا، وكما قلت لا يمكن أن اتعامل مع الحزن الا بطريقة واحدة، وهي تخيل الامام الحسين وكأنه الآن يواجه الظلم والباطل.
 ماذا اسمي حزن الطف هذا؟ أأسميه بالحزن الاستثنائي؟ في الواقع لا اجد كلمة افضل من هذا الوصف، ومع ذلك يمكنني أن اقول إن لهذا الحزن اتساع هائل لا تنتهي حدوده، وانا ذرة صغيرة ضائعة في هذا الاتساع.
 يقسم الحزن الاستثنائي التاريخ الى قسمين كبيرين، يصطف قسم البراءة الى جانب وقسم الطغيان الى جانب آخر، يبدأ التاريخ بقابيل وهو يقتل هابيل اخاه، ثم يستمر في مسيرة طويلة، في مقابل مدرسة الحق والبراءة هناك مدرسة الباطل، فيكون قابيل ويزيد في مواجهة مع الحسين عليه السلام وهابيل، مواجهة ستستمر الى أن تنتهي الحياة، وفي دوامة هذا الصراع الكبير يكون الامام الحسين الأنموذج الاوحد في تلخيص هذه الدراما الانسانية الكبيرة، وهذا الالم الذي يتجدد مع كل مواجهة.
 قلت إن هناك انفعالات شخصية، لا يمكن أن يحس بها احد مهما كان ذكيا، ولعل ما تجدر الاشارة اليه هو ان المثقفين ينقسمون ايضا تبعا للتقسيم الذي كان فيه الحق ورجاله في مواجهة الباطل ورجاله.
 يذكر أحد المقربين من الروائي نجيب محفوظ انه في احتضاره كان يردد مجموعة من الاسماء معروفة وغير معروفة، لكن نجيب محفوظ ظل يكرر اسما واحدا بهذا الشكل: الحسين الحسين الحسين، وياله من اسم وموقف.