امور سيغيرها وباء كورونا الى الأبد

بانوراما 2020/09/01
...

  مارك سوليفان   
  ترجمة: مي اسماعيل    
بعد مضي شهور من تجارب الاغلاق التام وحظر التنقل بسبب جائحة كورونا؛ يرى العديد من أصحاب الأعمال والشركات والمدراء التنفيذيين والمحللين أن هذه الأزمة ستغير الى الابد الطريقة التي يعيش بها العالم ويعمل ويفكر، أمضى العديد منا وقت الاغلاق محاولين التأقلم مع تغير أنماط العيش، الذي جلبه الفيروس لنا؛ لكن الجميع فكّروا أيضا في ظروف نهاية الأزمة، وما هي الخطوات التالية التي سيتخذها العالم.
اختار كثيرون النظر الى ظروف انتهاء الحظر بعين التفاؤل؛ على الاقل قدر تعلق الأمر بمنتجاتهم وأفكارهم ودوافعهم، ولعل الكثير منهم محق بذلك، لكن الخطوط العامة لملاحظاتهم تضاف لما سيجابه شركات التكنولوجيا والمستهلكين حينما لا يعود فيروس كورونا يشكل القصة الأكبر لنشرات الأخبار حول العالم. 
 
• العمل من المنزل سيكون المألوف الجديد:
قاد فيروس كورونا واقعيا لأكبر تجربة “عمل من المنزل” في التاريخ الانساني، ظهرت نتائجها على الانترنت، من حيث كثافة الاستخدام وتحولاتها. ارتفع استخدام الناس لمصادر التعليم لأطفالهم، وبحثوا عن وسائل غير تقليدية للاتصال بزملاء العمل والاصدقاء والعائلة، وأصبح أرباب العمل أكثر مرونة في الاستجابة لمتطلبات الموظفين بتقنيات أكثر ديناميكية؛ وكلها نواحٍ ستستمر غالبا لما بعد انتهاء الجائحة، انه زمن التحولات بطرق العمل والتعليم؛ وسيأخذ الناس ما تعلموه هنا الى المستقبل بصورة مستدامة. 
اعتاد بعض المدراء ورؤساء الشركات السفر لمسافات طويلة بشكل متكرر؛ لكن اليوم بات عقد الاجتماعات المهمة والمقابلات عبر الفيديو أمرا طبيعيا، فهل سيقلل هؤلاء رحلاتهم أم يعودون لسابق العهد؟ لا أحد يعرف؛ لكن تغير أنماط الادارة والعمل أمر مؤكد، وبعدما كانت المقابلات عبر الفيديو ينظر اليها كشكل من اشكال التراخي في انجاز الاعمال، باتت من الاساليب المقبولة والمريحة، بينما يعمل بعض الموظفين من داخل بيوتهم، متبنين نمط عمل يلائم المنزل والمكتب معا، كما يتجه البعض لجعله اسلوبا دائما، ليخفف الضغط عن المساحات المكتبية؛ ما سيعني نهاية نظام المكاتب المفتوحة. 
قد تعزز تجربة كورونا الشجاعة لتبني أنماط عمل جديدة وتعديل المسارات القديمة، ونتيجة لذلك ستغادر المؤسسات مفهوم المكاتب الكبيرة الى تجمعات المكاتب المتباعدة، وستكون ادارات الشركات الكبرى من الآن فصاعدا مواقع في “غيمة الانترنت”؛ لتتحول كيفما تتطلب الحاجة لحماية بيانات الشركة في المواقع الافتراضية وتأمين تلك البيانات في المواقع الطرفية. 
سيصبح تعيين الكفاءات التقنية عن بُعد هو الاسلوب السائد؛ معززا بتنامي منظور العمل عبر الانترنت. وهذه حالة تقود لنجاح الاقتصاد وجمع الكفاءات معا؛ إذ تسمح للشركات بملء المناصب الشاغرة سريعا بالكفاءات المناسبة وتفتح الطريق أمام المستثمرين لخلق وظائف تقنية عالية الاجور في كل مكان، كما تضع الكفاءة قبل الجغرافيا من حيث تنوع الموظفين؛ ليكون سوق الكفاءات أكثر تنوعا ليعزز قوة الاقتصاد. 
 
• التعليم يصبح رقمياً:
قد لا يعود التغيير الذي شهده التعليم ثانية الى نمطه القديم؛ فرغم أن المدرسين سيبقون دائما عنصرا أساسيا في العملية التعليمية، ستبقى الحاجة لوجود نوع من المرونة الحيوية المستمرة قدر تعلق الأمر بايصال المحتوى والاختبارات والتقييم، وقد يشهد العالم تزايد الاجواء الدراسية المركبة التي تشمل التعليم باسلوبه الفيزياوي (في قاعات الدراسة) وعلى الانترنت، اعتمد التدريس كثيرا على المحتوى الرقمي خلال فترة انتشار الجائحة، لكن الناس أدركوا أنه لم يكن بديلا كفوءا للتدريس التقليدي، كما أن المقصد لم يكن حتما أن يصير بديلا عنه. 
بالرغم من أن التعليم الرقمي كان تجربة فريدة؛ فإن الوجود البشري يحفز الابداع ويقدم حلولا مبتكرة. وحين تتراجع أهمية التطبيقات الرقمية التي استخدمت أثناء الجائحة؛ ستتسابق شركات التكنولوجيا لتقديم خيارات جديدة تسهم بانعاش الدراسة أو العمل عن بُعد، كما سيصبح الاتصال بالانترنت أمرا لا بد منه بعد أن كان ترفا تكميليا في حياة الناس. 
 
• قطاع الصحة يواجه مشكلات قديمة:
كان تعذر نقل السجلات الطبية المتكاملة والتاريخ الطبي للمرضى عبر مراحل العلاج المتتابعة من كبرى المشكلات التي واجهت الجهد الطبي؛ بسبب غياب التداخل بين التطبيقات والأنظمة المتنوعة، وإذ يتطلب الامر جهدا يدويا كبيرا ووقتا طويلا لإنجازه؛ فقد شكّل نقطة تحول لكشف تلك المشكلة التي من المفترض أن تجمع الحكومات والباحثون والأنظمة الصحية (بمساعدة شركات التكنولوجيا) جهودها لمواجهتها مستقبلا. 
أعطى وباء كورونا دفعة لأساليب تقييم الانظمة الصحية، والى الحلول التكنولوجية والرقمية التي توفرها التطبيقات المعاصرة. وفي مقابل ما تكبده القطاع الصحي العالمي من أضرار ومشاق، ستشكل التكنولوجيا الرقمية مستقبلا جزءا حيويا من ذلك القطاع. 
 
• رأس المال الاستثماري يختبئ:
كشفت أزمة كورونا عن الخواصر الرخوة للعديد من الشركات؛ خاصة شركات التكنولوجيا المستندة الى تمويل ضخم وستراتيجيات تتطلب (require massive monthly burn rates). تترنح تلك الشركات الآن على حافة الانهيار، وقد سرحت العديد من موظفيها، ويبحث بعضها عمن يشتريها كحل أخير، ومن جانب آخر شدت الشركات الرابحة حزامها ببساطة واستمرت (غالبا) بالعمل كالمعتاد. وبالمضي قدما، سوف يتغير مفهوم وخصائص ما يعتبره الممولون “شركة قيّمة”؛ وبدلا من التركيز على النواحي الكمية (مثل دفعات التمويل والعائدات)، سيضع الممولون تركيزا أكبر على الخصائص النوعية؛ مثل هيكلية الشركة وملاكها عملها والثقافة التي تديرها والمرونة والمكاسب العامة. 
وضع وباء كورونا حدا مفاجئا لتدفق المال السريع والاستثمار بمفهوم “فومو-FOMO” (= مصطلح يعني الخوف من فوات الأوان على استثمار رأس المال في الوقت المناسب لتقلبات السوق. المترجمة)، وأجبر رؤوس المال الاستثمارية على التباطؤ ومقاومة الدافع المُلِح على اللحاق بالقطيع، واعادة التركيز على المثابرة والتحليل الذي يستحق المشاركة، وسيُمضي المستثمرون وقتا أطول بدراسة المشاريع وكوادرها ونماذج العمل وهيكلة رأس المال والسوق قبل ابرام الصفقات. 
 
• المواصلات تعاود نشاطها وتتغير:
بعد انتهاء حظر التنقل، سيبحث الناس عن وسائل مواصلات موثوقة باسعار مناسبة تحفظ قيود التباعد الاجتماعي؛ فقد يتشاركون بالسيارة أو الدراجة أو لوح العجلات (سكيت بورد). وستكون تلك فرصة للحكومات المحلية، لكي تعيد تخطيط المدن بطريقة تتمحور حول الناس وليس السيارات. 
ستخرج الدول من مرحلة حظر التنقل بسرعات متباينة؛ مما سيقود لإعادة افتتاح “ممرات التنقل” واحدة تلو الاخرى، وحين يجري ذلك سيكون التنقل المحلي سباقا بالنشاط. 
 
• الصناعة تتلقى “صيحة” تحذير:
“شعر المصنعون (على المدى القصير) بالقلق حيال نقص المنتجات الاساسية في سلسلة التجهيز، ويبحث بعضهم عن مصادر بديلة أقرب اليهم، وعلى المدى البعيد، حينما نخرج من الازمة الحالية، يتوقع الناس أن تركز الحكومات وأصحاب الاعمال على تجهيز كمي أفضل يواجه المخاطر ويدمج الخسارات المحتملة ضمن مسار الأعمال، مثل تلك الاعمال سترسم نمط حجم وتأثير سيناريوهات الصدمة؛ لكي تقرر الافعال التي يجب تنفيذها لاعادة بناء سلاسل التجهيز وامكانية الاستجابة المستقبلية الموازية، تلك الافعال قد تشمل احضار المجهزين الى مواقع أكثر قربا للمستهلك، وقد تشمل أيضا مجموعة من الاستثمارات الوقائية. 
سيكون لوباء كورونا تأثير دائم على طرق الانتاج الفيزياوي؛ فقد كان كصيحة تحذير للمنتجين الذين يركزون على مصانع مركزية ذات عمالة رخيصة في دول اخرى بعيدة عنهم؛ وهذا لم يعد مقاوما لعواصف اللا مضمون. سيحتاج المنتجون (وستحتم سلاسة الاعمال) انتاجا أكثر مرونة في مواقع أكثر قربا، بمكننة كاملة وادارة رقمية بالكامل. 
 
• التفكير الجديد يغير المفاهيم القديمة:
في زمن الشكوك الكبيرة؛ تكون المهارة الأكثر حيوية هي القدرة على التأقلم مع تغيرات الظروف. وهذا نوع من البراعة؛ فالتركيز على البقاء في اللحظة الآنية، بينما تقوم بالاستعداد للازدهار في مستقبل سيبدو مختلفا أمرا مهما. سيوفر القادة الناجحون مواقع للعاملين كي يكونوا منتجين رغم التحديات والاجواء المشحونة، من الوسائل الاساسية هنا- الفصل بين عملية تركيب الافكار الناجحة وبين نقدها واختيار المفيد منها؛ وستكون الجائزة استفادة المؤسسات والافراد بمدى أوسع من الحلول المبتكرة، وستتغير اساليب ادارة العمل في المؤسسات المتوسطة والصغيرة، لتتمكن من مواجهة حالة الطوارئ القادمة؛ فعلى سبيل المثال قد ترتبط المطاعم بشكل دائمي مع خدمات التوصيل، وتعرض المزيد من المتاجر الصغيرة بضاعتها على الانترنت، لتصل مدى أوسع من سوقها المحلية السابقة.