العدالة الانتقاليَّة

الباب المفتوح 2020/09/01
...

نجم الشيخ داغر
 
كان ينظر لأمه باستغراب شديد وهي تناجي ربها وتقول”إلهي طول عمري لحد ما اشوف صدام بالقفص”، قائلا في نفسه ما اشد تفاؤل هذه المرأة المؤمنة التي ترجو ان يطيل الله عمرها الى اكثر من مئة سنة، كي ترى الطاغية في قفص الاتهام أن تحقق حلمها.
هكذا كان يظن بعد أن سيطر اليأس على قلبه و(غسل ايده) كما يقول العراقيون من أي تغيير قد يطل قيادة البعث المجرم.
ولكن المدهش في الامر، ما هي إلا سنوات معدودة، حتى استجاب الله، لهذه المرأة وأدخل صدام القفص التي تمنت كثيرا رؤيته فيه، كي يشعر ولو قليلا بآلام ضحاياه.
كانت تنظر الى التلفزيون بزهو لمتابعة المحاكمة الشهيرة وعينها تذهب بين الفينة والاخرى الى الصور المعلقة لأولادها الشهداء، وكأنها تتكلم معهم بصمت، مهنئة اياهم بقرب شنق قاتلهم، وبهذا لم يبق سوى اصغر اولادها، الذي تم اعتقاله واطلاق سراحه بعد اعدام اخويه، كي ينال حقوقه هو الاخر، لتنام بعدها قريرة العين هانئة البال رغم غصة الفقد الاليمة.
وفعلا تم لها هذا بعد اللتيا والتي وصدر قانون العدالة الانتقالية، الذي من شأنه تعويضها عن ولديها الشهيدين وثالثها المعتقل، وبعد مراجعة وانتظار دام لسنوات صادقت المحكمة ومنح ابنها راتبا تقاعديا، بيد ان فرحتها لم تكتمل حين خذلها الوطن مرة اخرى بقطع الراتب (الزهيد) المذكور والذي لا يمكن له مع مال الدنيا تعويض ليلة واحدة باتها بين سياط الظالمين وبعيدا عن حضنها الدافئ.
لكن ما آلمها بشدة، ليس قطع الراتب ( الذي هو عبارة عن منحة تعويضية محددة بمدة معينة) بحجة ان لديه راتبا اخر ، مع ان الاثنين لا يصلا الى خمس راتب برلماني او وزير واحد ، وإنما لأن اغلب موظفي الاجهزة القمعية في النظام البائد يتسلمون رواتب كبيرة، فضلا عن ضحايا جريمة الانفال وحلبجة والحزب الشيوعي، متساءلة باستغراب، اذاً لماذا راتب ولدي المعتقل يقطع دونا عن غيره؟.
عادت الى بيتها خائبة الظن بعد ان علمت ان قرار التوقيف ليس له سند قانوني، متوجهة الى الجدار الذي زادته السنين تعبا وهو يحمل بحنو صور ولديها الشهيدين، متحدثة معهما “ يمة اني اطمنت عليكم لان انتوا بالجنة، واطمنت على اولادكم لان الدولة منحتهم حقوقهم، بس يمة بقى اخوكم الزغير المقطوع راتبه وبقى حاير بعياله وزمانه، وانتم تشوفون حال الدنيا، واظن يمه قانون العدالة الانتقالية معناه واحد ينتقل للاخرة وياكم احسن واشرف”.