ثمانية وثمانون مفكراً ومبدعاً ومثقفاً ينتمون لتسعة عشر بلداً عربياً اجتمعوا لتقرير رؤية عن مستقبل الثقافة والحياة ما بعد كورونا، جمعت هذه الرؤية بكتاب تحت عنوان (لون الغد.. رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا) صدر عن دار ذات السلاسل في الكويت، بتحرير الروائي طالب الرفاعي.

جاء هذا الكتاب بناءً على سؤال وجّهه الرفاعي للمشاركين في كتابه وهو: «أرى أن البشرية تجتاز منعطفاً تاريخياً للوقوف في وجه (كورونا)، وأن ما بعد كورونا سيكون عالماً مختلفاً عما كان قبله: السيادة العالمية، وشكل الاستعمار، والاقتصاد، وتنقّل البشر، والفكر والثقافة والإبداع. وأنا أعمل على مشروع للوقوف على تصور المبدع والمثقف العربي».

وفي الكتاب الذي جاء بأربعة أقسام وخاتمة، يقف الرفاعي على بُعد، ليرى ما حلَّ بالعالم، وكيف ينظر ويقرأ القاص والروائي والشاعر والناشر والمثقف العربي، لحظة كونية تحفر مسارها، لتخطّ تاريخاً جديداً للبشرية، وتأتي بجديدها المعتاد «The New Normal”، والذي سيشكل 

مستقبل البشرية. 

قسّم الرفاعي إجابات المشاركين على ثلاث فئات هي: متفائلون بعدد 19 مشاركاً، ومتشائلون بعدد 45 مشاركاً، ومتشائمون بعدد 24 مشاركاَ، وبالوقوف أمام كل فئة يدوّن الرفاعي أهم الأفكار والرؤى والتوقعات التي دارت في ذهن المفكر والمبدع العربي، ويعقد صلةً بين ذلك وبين آراء وقراءات المفكرين والسياسيين العالميين أمثال: هنري كسينجر، ونعوم تشومسكي، وتوماس فريدمان، ويوشكا فيشر، ويوفال هراري، ويربط ذلك كله بأهم المواقف التي جاءت على لسان الساسة العالميين أمثال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. ليصل في المحصلة إلى ثلاث قضايا شكّلت الهم الأكبر والأساسي في تفكير المبدع والمفكر العربي وهي: أولاً، حال الإنسان العربي، ثانياً، السيادة العالمية، ثالثاً، الفكر والثقافة

 والإبداع.

وفي مقدمته التي خصصها للكتاب، يقول الروائي المفكر العالمي أمين معلوف: “من يقرأ التوقّعات والتأمّلات التي جمعها ونسّقها الأستاذ طالب الرفاعي في (لون الغد)، تتّضح أمامه صورة عالمنا كما ظهر فجأةً تحت مجهر الجائحة. عالَمٌ لم يعد يثق بالوعود ولا بالعقائد ولا بالقادة. عالمٌ قويّه هزيل، وعظيمه ضئيل، وثوابته زائفة. عالم عليل تائه، يبحث عن بدايةٍ جديدة تغيّر المسار، وتُصلح ما أفسده الماضي، وتُعيد جميع العدّادات اللعينة الى الصفر. أليْس أملنا جميعاً أن تكون وقفة كورونا مقدّمة لانطلاق عالمنا، أخيراً، نحو غدٍ مختلف؟”.

وفي دراسته الفكرية “لون الغد”، استنبط الرفاعي تعبيرات ثقافية وسياسية جديدة على القاموس الثقافي والسياسي العربي، مثل المواطن المحلي/ العالمي “المحعالمي”، وحالة التظاهر بالديمقراطية وممارسة الدكتاتورية بـ “الديمقتاتورية”، كما وأشار إلى أن الإنسان بوصفه “كائن متلامس” في علاقته بما يحيط به، وأنه لا يمكنه العيش دون التواصل والاتصال بالآخر. الرفاعي يكتب بواقعية وألم عن قسوة الظروف التي يحيا ويعمل بها المفكر والمبدع العربي، في مجتمعات لا تعرف الحرية، في أقطار تعيش تحت خط الفقر، مهدِّدة المبدع بعيشه وأفراد أسرته، مما يجبره على الهجرة، أو البقاء تحت نار التهديد اليومي المخيف. مدعماً ذلك بإحصائيات ودراسات عربية وعالمية.

 كما ويتناول الرفاعي علاقة المفكر والمبدع العربي بالإبداع والثقافة العالميين، وكيف أن الترجمات في معظمها ومنذ مطلع القرن العشرين جاءت بفكر وأدب الغرب إلى المنطقة العربية، من دون أن تنبري أي جهة عربية، حكومية كانت أو أهلية إلى مد جسرٍ نحو الغرب، بترجمة الأعمال العربية الأهم. ليضع الرفاعي أمام المؤسسة العربية الأسس الواجب الأخذ بها للتواصل والوصل مع الآخر.

 في هذا الكتاب جمع الرفاعي أهم الأسماء العربية الفاعلة في المشهد الفكري والإبداعي والثقافي، ليضعها أمام مسؤولية تفكيرها في المستقبل، وليقدم للقارئ العربي والغربي دراسة معمّقة عن نظرة العربي

 لما هو آتٍ.

 تجدر الإشارة إلى أن الدراسة جاءت بمراجعة الدكتور نزار العاني، كما أن الرفاعي أصدر أكثر من عشرين مؤلَّفاً، وأن أعماله القصصية والروائية تُرجمت للإنكليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والصينية والتركية والهندية.