في هوية الإبداع النقدي

ثقافة 2020/09/03
...

 جاسم العلي 
تحدد الهوية النقدية أبعادها الأساسية في الديمومة والتغيير الذي يقوم على فعل يدمج بين ثبات الذات وتحديد الموضوع وأدوات الكشف، بالبحث عن صيغة تلائم الفعل النقدي، إذ ان كيفية القراءة في اساسياتها الثلاثة (الانسان، الزمن، المكان) تركيب تطوري للفعل النقدي، كونه يضافر تلك العناصر لتؤلف طاقة موجهة لسيرورة التأويل، طاقة تُستثمر في (الفهم، التأويل، التطبيق)، وبهذا سيغطي حال التغيير وجهة النظر للقيام باستقبال قرائي مختلف، والارتقاء بها من دون الوقوع في الاختيار العشوائي بالزمن العشوائي، لأن تاريخ القراءة لا يحدث مرتين كونه حدثاً للقراءة. ان الكتابة في النقد تصور معرفي في اطار هوية تختبر وتوجه نظرية او نظرة ما، فليس كل من كتب في النقد ناقداً يبلغ درجة الجودة العالية في فحص النصوص، وليس كل من يؤلف كتاباً يعرض فيه صوراً ما وقراءات قصد التعلم والتثقيف والتبليغ والمحاباة، يتصف بناقد جيد، وليس كل من يتكلم عن النظريات النقدية يصير منظراً، بل يتوجب لمن يتصدى للنقد ان:
1- يمتلك القدرة على تحديث خاصيات الخطاب المعرفي والمنهج، إذ للمنهج آليات قراءة ثانية عند التطبيق، كعقل منتج جديد صادر عن تجارب ماضية كونه رؤية وكشف يجاور عملاً ابداعياً، ثم هو اشتغال يعالج ـ اجرائياً ـ نقداً راهناً مضارعاً متحولاً الى منهجية لاحقة.
2 - إنَّ للناقد مشروعاً تأسيساً على خلفية فرضية تجيب عن السؤال المركزي 
لماذا نكتب؟، لأن الوظيفة النقدية هي تفكيك النص ضمن مشروع، فيفترض بالمشروع أن يديم البحث عما لا نعرفه ليظل السؤال مطروحاً في كيفية ترجمة الفارق وظيفياً بين ما هو لغوي خاص الى ما هو نفسي ولساني عام، ثم حل الازدواجية بين وصفية البنية، وتفسيرية الوظيفية، لفض التعبير الاشكالي حسب الطروحات الثقافية، ثم الانتقال الى ما يتعلق بالقواعد والشيفرات الثقافية مما يغني المشروع التأويلي الذي يهدف الى استعادة جوهر وقضية الخطاب المعرفي القابلة للإدراك عند حد التجربة.
3 - حسم قضية الوعي بالتقنيات الادبية بحسب النوع والصنف الابداعي لتستوعب المرجعيات كونها معرفة حتمية لبناء الخطاب. فالتقارب بين المنظار الفكري والرؤية الثقافية، وبين الاسلوب والتعبير في الكتابة للعمل الابداعي بمنظار المنهج والوعي الفكري، سيعني وصولاً الى الكشف النقدي الذي ينجز نتائج الفهم المعرفي نقدياً، وهكذا يتجه الناقد من هذا المنظور لحقيقة ممارسة فعل المعرفة على وفق الكلية النصية للابداع لتحويل البنية النصية الى مادة فحص نقدية تظهر نوعية العلائق بين الدوافع الواعية و اللاواعية للغة التوصيف الثقافي بنقش سيرورة الخلط بين التبرير والتفسير على نحو تحظى فيه المعرفة النظرية بأولوية على العلاقة النصية بوصفها مرآة الطبيعة الانسانية والبيئية.. وبمثل هذا التوجه يتم التفاعل بين المعارف الثقافية والأدبية المتجاذبة تقنياً.
4 -  على الناقد الناجح أن يضع لنفسه نسقاً من المفاهيم الفاعلة في تحليل الخطاب.
فمن خلال لغة المصطلح يجد لنفسه مجموعة من المفردات والحدود التي تساعده على ان يترجم جميع مساهماته الثقافية على نحو ممكن التطبيق والإجراء لو تمت تهيئة عينات مناسبة له، وبمثل هذا لا بد ان يفضي الناقد الى ضرب من شفافية الثقافة، يصبح بها التفكير ضمنياً فعلا يديم الاختلاف بوصفه استجابة لتنوع وجهات نظر الانسان في عالم لن يكون موحدا يوما ما كونه عالما يلقي الضوء على استحالة التوفيق بين التقويم الضمني للغة، والتقييم الاسبق للمغايرة التي تعقب المعنى في أفق كلية الأنساق الثقافية عامة بوصفها أنساقاً مثيرة للتأمل في أسلوب تعبيرها وبنيتها وتقاليدها، بسبب طبيعة العلاقة بين مستوى (الذات والموضوع)، فهما خاضعان لإعادة الفحص والتقييم بموجب معايير الناقد الناجح، تتجسد في قدرته على إعطاء الأنساق معنى مغايرا للسائد منها، وهذا نسميه خصوصية الناقد، لأن الخبرة المعرفية له تؤدي الى اعادة الطرائق التي تُستنبط منها المعاني.
5 - يفترض ان تكون للناقد قوة استدلال محققة لصيغ نظرية مقترحة تعدل صيغاً سابقة، اذ لا بد من امتلاك أدوات اجرائية يمكنها السيطرة على النص وإخراج صوره المتغيرة، ليكون للخطاب سؤال جدلي دائم يجعل الناقد قلقاً لأن صياغته تتطلب وعياً لذات منجذبة وحذرة في آن واحد بحكم رغبتها في الارتواء المعرفي. هكذا يتم تشخيص جدية الفعل النقدي للانطلاق فيه نحو البحث عن مبادئ عمل كفيلة بتوصيف الخطاب النقدي المتجدد الرؤى.