راسم المرواني
يراد لكل ثورة إصلاحية أن تمتطي أهدافها وغاياتها صهوة الانتشار والديمومة على أرض الواقع ، وفي صفحات التأريخ، حتى وإن حاولت آلة القمع إطفاء جذوتها، أو تغييب عنفوانها ، أو تكميم الأفواه التي تصدح بها ، ولا يكاد يختلف اثنان على أن نكهة كل ثورة على الأرض يمكن لها أن تنتهي وتخبو جذوتها في زمن ما وربما في مكان ما ، بعد نجاحها أو فشلها ، خصوصاً حين يكون هدف الثورة هو(السلطة) أو الاستحواذ على السلطة ، أو استهداف رأس الهرم فيها بشكل (مشخصن) أما في حال كون الثورة (إصلاحية) تستهدف (النظام)، وتسعى لمعالجة الانحراف والخروج عن الثوابت المجتمعية والأخلاقية او (الدينية) دون استهداف شخص معين أو هيكلية معينة.
وحين يكون هدفها هو معالجة الخروقات التي من شأنها أن تهدم المنظومة القيمية، فهي بطبيعتها ستمتلك سر الديمومة حتى بعد رحيل رعيلها الأول، لأن الإصلاح غير منحصر في زمان ومكان
معينين .
الثورات الإصلاحية لا تضع (الاستحواذ) على السلطة هدفاً لها ، ولا تستهدف أشخاصاً بعينهم لعداوات أو ثارات شخصية ، ولا يعنيها ذلك ابدا بل أقصى ما تسعى إليه هو التغيير نحو الأفضل ، و(استبدال) السلطة الفاسدة بنقيضتها.
وبالشكل الذي يحقق طموح المجتمع، وتحقيق حرية وكرامة الانسان ولكن حين تتعرض الثورات الإصلاحية للقمع من جانب السلطة ، فهنا يتحتم على الثوار عدم إخلاء الجانب الإعلامي الضامن لاستمرار توعية الشعب وحثهم على مواصلة النضال من أجل التغيير والإصلاح ، وذلك عبر تهيئة الأدوات التي تنبثق من بوتقة الثورة ، وحاملة لأهدافها وشعاراتها ، وبالشكل الذي لا يخل بمستويات أداء الثوار ، ولا يخدش مواقفهم .
لقد قام الإمام الحسين (ع) باصطحاب أخته زينب (عقيلة البيت الهاشمي) ، لما كان يتلمسه فيها من قوة الإرادة ، واستيعاب مبادئ الثورة والثبات عليها، وبما تمتلكه من الجرأة الأدبية والحكمة والوعي ولغة الخطاب والبيان التي تربت عليها في أحضان بيت النبوة الذي اعتاد أفراده أن (لا تأخذهم بالله لومة لائم) لقد كان اختيار الحسين (ع) لزينب اختياراً حكيماً ، على الأقل لكي يبعد الإمام المعصوم من بعده (علي السجاد) عليه السلام عن الأضواء ، ويبعد عنه آلة السلطة القمعية، بشكل يضمن استمرار هدف الإصلاح عبر الأجيال من جهة ، والتأكيد على اضطلاع زينب عليها السلام بالدور الإعلامي في مرحلة ما بعد انقضاض السلطة على الثوار، ان دور العقيلة، كان موازياً ولا يقل قيمة وأهمية عن دور الحسين (ع)، وليس بأقل شأناً من الدماء التي سالت في وادي الطفوف.
بل كانت المكمل الطبيعي والحقيقي لثورة الإصلاح، إن موقفها وصلابتها وثباتها وجرأتها الحكيمة في الرد على (يزيد بن معاوية) في مجلسه ، وإحراجه أمام الحاضرين بما تمتلكه من فصاحة وقوة وحجة في الرد، كانت وجهاً مشرقاً من أوجه الثورة، ومدعاة لفخر الثوار في كل الأزمنة ، بل هو جزء من مهمتها (الإعلامية) التي قضت مضجع السلطة ، حتى أصبحت فناراً يهتدي إليه المبحرون في خضم أمواج السلطات الفاسدة المضادة لثورات الإصلاح.
علينا أن نتساءل : ماذا لو أن زينب (ع) قد توسلت يزيد بن معاوية ، أو (اعتذرت) إليه في مجلسه،أو استرحمته، أو طلبت منه العفو؟ إذاً ...
لانهارت أسس الثورة، ولتحولت تلك الواقعة إلى مجرد جهد بشري إصلاحي شأنه شأن أي ثورة قامت وقمعتها يد السلطة ، ولاستمدت السلطة شرعيتها من هذا الاعتذار ، ولما بقيت أي ذكرى لثورة الحسين (ع) ، تلك الثورة التي تستحق بجدارة أن نسميها بــ (ملحمة الإله الكبرى على شاطئ
الفرات).