د. كريم شغيدل
من خلال تجارب بعض الشعوب الحية، ثبت أنَّ التغيير يعتمد أساساً على قطاعات التربية والتعليم، لأنها المسؤولة عن بناء المجتمع وثقافته وتنشئة الأجيال، وإعداد قادة المجتمع ونخبه وكوادر العمل والتنمية، ونفترض أنَّ العاملين في هذين القطاعين هم خلاصة النخب، فالمعلم والمدرس والتدريسي أو الأستاذ ليست عنوانات مهنية فحسب، إنما هي صفات اعتبارية لدورهم الفعال في بناء المجتمعات، ومن خلال تجربتنا في التعليم الإلكتروني الذي فرضته ظروف الحظر وإجراءات السلامة الصحية بسبب الجائحة اللعينة، تيقنا تماماً أنَّ العراق مقبل على مرحلة جديدة.
إذا كانت بعض المؤسسات الخدمية أو الإنتاجية أجَّلت عملها أو عملت بـ25 % من كوادرها، فإنَّ التعليم العالي لم تؤجل عملها ولم تعطل كوادرها، بقرارات سريعة وإجراءات تنفيذية مباشرة وبعمل دؤوب وجهود كبيرة واصلنا فيها الليل مع النهار، وجدنا أنفسنا في خضم التجربة، برغم الصعوبات، وبعض الأخطاء، والسلبيات، إلا أننا اليوم أصبحنا نتواصل مع طلبتنا وهم آمنون في منازلهم، بل نتواصل مع معالي الوزير والسادة الوكلاء والمدراء العامين ورؤساء الجامعات والعمداء والمساعدين والمعاونين ورؤساء الأقسام والكوادر التدريسية والموظفين طوال الوقت عبر منصات التواصل والتعليم، وتشكلت لدينا بذور لمجتمع معرفي ما كنا نحلم به لولا ما اضطرتنا إليه الجائحة.
منذ بداية إجراءات السلامة التي تزامنت مع امتحانات الدراسات العليا، شكلت الوزارة فريقاً الكترونياً بقيادة كوادر أكاديمية متميزة، وضعوا الخطط وباشروا بإقامة الدورات وورش العمل عبر منصات التعليم، وكانت مخرجات ذلك خلال مدة قياسية مئات الكوادر المتقدمة للعمل على منصات التعليم الإلكتروني، وقد حاضر في تلك الأنشطة خبراء أكاديميون، وأتيحت الفرص لحوار مفتوح لتدارس الأخطاء والمقترحات والتصورات المستقبلية بمنتهى الشفافية، وبمشاركة خبراء أجانب وممثلين عن منظمة اليونسكو.
رغم انتقادات البعض على ما قدمته الوزارة بروح أبوية من تسهيلات للطلبة، والجهود المضاعفة التي تبذلها الكوادر التعليمية من أعلى المناصب إلى أدناها، إلا أنَّ التجربة كانت متميزة وسنفخر بها، لأنها فتحت لنا آفاقاً جديدة لن نتخلى عنها مستقبلاً مع تبدل الظروف، لأنها حملت لمسات التغيير، ووضعت أقدامنا على طريق التطور الحضاري باستثمار مخرجات الثورة المعلوماتية.