مرتضى صلاح
لم تتوقف ثورة الإمام الحسين (ع) مع استشهاده في كربلاء يوم عاشوراء سنة 61 هجرية، بل كتب الله لها الخلود والامتداد الى الأجيال اللاحقة وحتى يومنا هذا. فقد كان الإمام ثائراً والثورة لا تكون فقط في القتال المباشر فقط، بل ربما بتهيئة الساحة ضد العدو وتحقق
الثبات أمام جبروته، وهو ما جعلها أبلغ تأثيراً وفاعلية من بعد انتهاء معركة الطف يوم عاشوراء.
ومن خلال دور السيدة زينب بنت الإمام علي (ع) كان لتلك الثورة امتداد الحياة خصوصاً وسط حركة التشويه الإعلامي الأموي المسيطرة على عقول الناس آنذاك، لذلك كانت السيدة زينب (ع) هي سند الإمام الحسين (ع) عندما وقفت تواجه إعلام يزيد في مهمة التصدي لقمعه وحماية تلك الثورة. فقد كانت شخصيتها (ع) قادرة على الثبات بوجه العدو، نتيجة لاستيعابها الكامل لفكر جدها وأبيها واخوتها (ع)، فأشرفت على أسرة الإمام (ع) متحلية بالصبر على شدة البلاء، وإرادتها القوية، والقدرة على المواجهة متمثلة بصلابتها في التبليغ عن الفكر الحسيني.
لذلك تراها (ع) احتلت موقع القدوة والكفاءة لقيادة المسيرة الحسينية بعد استشهاد أخيها الإمام (ع). وتجلدت بصبرها وهي تحمي تلك العائلة الأسيرة كما في منعها قتل الإمام زين العابدين (ع)، وكانت تعبر عن لسان حال الإمام الحسين في الجانب الاجتماعي الممتد في الأمة الإسلامية، ولم تضعف ولم تستكن عن نصرة أهداف الثورة، وهي تجلي للناس حقيقة قيام أخيها الإمام بتلك الثورة.
وكانت تلفت نظر الجميع، وتستغل كل زمان ومكان لتوضيح أسباب الثورة، وقداسة أهدافها ورجالها، وتكشف حقائقها ومعالمها، حتى تستطيع أنْ تهيئ الظروف المناسبة والأجواء الإعلامية الملائمة، التي يمكن من خلالهما أنْ تتحرك ضد العدو، وهكذا صمدت أمام تحديات الظالمين.
بعد انتهاء معركة الطف، أقامت السيدة زينب (ع) في المدينة المنورة تواصل رسالتها بالطلب بثأر الحسين (ع) لدرجة اقلقت عامل المدينة من وجودها لاحتمال تحريك الناس في المدينة، فكتب الوالي إلى يزيد يحذره من خطر دعوة زينب (ع) وجاء الأمر بلزوم إخراجها، فهاجرت الى الشام وهي تشق طريقها بالعزم والتصميم على المضي في جهادها بالكلمة الحق أمام سلطان جائر، ولم تخش شيئاً وهي متسلحة بالإيمان بقضية الإمام الحسين (ع).
كان دورها (ع) في المواجهة وكشف التشويه والزيف والتضليل وحماية الإمام زين العابدين (ع) تحقيقاً نصرة الثورة الحسينية من بعده بطريقة جهادية إعلامية لغرض توعية هادفة ومستمرة ضد الظالمين، ولولا بياناتها لضاعت ثمرة الثورة واندثرت دماء الشهداء وجهاد الأنبياء واختلت الموازين الرسالية وسلبت الحقوق الإنسانية، ولتوجهت الأمة الى مسايرة الحاكم الظالم، ولكانت صفحات التاريخ سوداء مظلمة، لكنَّ خطاباتها المستمرة هي التي نسفت مشروعية عمل يزيد في الحفاظ على ملكه من الثائرين.
لقد تمتعت السيدة زينب بخصائص أمها السيدة فاطمة الزهراء (ع)، فضلاً عما اكتسبته من التنشئة الاجتماعية السليمة المستمدة من قيم ربانية أخلاقية سامية، ومبادئ روحية ربطتها بالله، حملها إليها أبوها الإمام علي (ع) وجعلتها لا تخشى في الله لومة لائم، ولا زالت خير قدوة لنساء المسلمين، فلم يمنعها كونها سليلة الحسب والنسب، ومنبع الرسالة، من أنْ تكون خطيبة، وفقيهة، ومعلمة تتلمذت على يديها نساء الكوفة إضافة إلى كونها خطيبة بارعة عجز البلغاء من حسن منطقها وتأدبها، وأثمر ذلك في مواقفها المشرفة البطولية التي سجلتها في ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضد الظلم.