تكدس النفايات في المناطق السكنيَّة بات يشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين نتيجة الأمراض التي تتناقل جراء انتشارها، ومنظراً مقززاً للمارة، في الوقت الذي تستغل الدول المتقدمة النفايات بتحويلها الى طاقة لتوليد الكهرباء وأسمدة وماء صالح لري المزروعات والاستفادة من المعادن والنحاس وقطع الزجاج والورق وغيرها من السبل للتخلص منها بفائدة تحسب للبلد من دون أضرار
هذا ولا بدَّ أنْ يكون هناك وعي من قبل المواطنين نتيجة الإرشاد والتوجيه من قبل المعنيين لفصل النفايات في المنزل قبل وضعها في المكان المناسب، وعليه فالعمل جارٍ الآن لاستحداث معامل لتدوير النفايات من شأنها القيام بذلك تدريجياً، بعد أنْ شاعت طرق التخلص من النفايات بحرقها وسط المدن والمناطق السكنيَّة، واستغلال تجار النفايات (النباشة) أكداس النفايات واستخراج ما يستفيدون منه لبيعه بغية الأرباح الماليَّة بطرق غير سليمة، فكان لزاماً إيجاد سبل عمليَّة وصحيَّة للتخلص من النفايات والإفادة منها
بالوقت نفسه.
تلكؤ الشركات
المتحدث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة يبين: "هناك نقاشات بشأن العروض التي تلقتها الأمانة من شركات عدة للاستفادة من النفايات واستغلالها بالشكل الأمثل".
ويضيف عبد الزهرة: "هنالك تلكؤ في معملي فرز النفايات الذي كان من المقرر إنشاؤهما في منطقتين ببغداد، إلا أنَّ الشركة المجهزة تلكأت في موضوع تجهيز هذين المعملين، ما حدا بالأمانة الى إنهاء العقد معها".
إدارة النفايات
الوكيل الفني لوزارة الصحة والبيئة الدكتور جاسم الفلاحي يؤكد أنَّ "تدوير النفايات من صلب مهام الوزارة والذي يحتاج الى إدارة رشيدة والحث المستمر للجهات التنفيذيَّة دائماً على تشجيع الاستثمار في هذا القطاع، هذا وانَّ أمانة بغداد تعاقدت في السنوات السابقة مع معامل خاصة لتدوير النفايات وواجهتها مشاكل وصعوبات وقسم كبير منها ما زال حتى هذه اللحظة لم يرَ النور لأسباب عديدة".
ويتابع إنَّ "تدوير النفايات أصبح واحداً من أهم مقومات الدخل القومي في الدول المتقدمة، لذا فإنَّ العراق بحاجة الى إدارة متطورة للنفايات، والحكومة بعد العام 2014 قامت بخطوات ممتازة في هذا الشأن عن طريق إقرار آليات وضوابط وتعليمات خاصة شكلت بموجبها اللجنة العليا للنفايات مسؤوليتها إعداد قانون جديد لإدارة النفايات والذي يعتمد على مبدأ الاستثمار وأخذ تجارب الدول المجاورة في هذا القطاع وتوفير بيئة آمنة وجاذبة وأنْ تكون هنالك جهة مرجعيَّة واحدة لإدارة الموضوع بالتنسيق مع المحافظات"، عاداً هذا القانون "واحداً من الأساليب المتحضرة للتخلص من الكميات الهائلة من النفايات"، إذا ما علمنا أنَّ معدل النفايات اليومي يصل الى 12 ألف طن وهذه الكمية وحدها جاذبة للاستثمار، خاصة أنَّ 60 بالمئة من النفايات نوعيتها ممتازة وعضوية يمكن استغلالها بطريقة صحيحة لتوليد الطاقة الكهربائيَّة المتجددة والصديقة للبيئة.
الفلاحي يوضح: "هنالك لجنة مختصة في أمانة بغداد وتضم كل الدوائر والوزارات وهيئة المستشارين وظيفتها تشجيع توليد الطاقة من النفايات لما يعانيه العراق من نقص كبير في الطاقة وهو موضوع قطعت فيه الدول المتقدمة أشواطاً كبيرة، وبات الأسلوب التقليدي في جمع النفايات وتوصيلها الى أماكن معيَّنة يشكل عبئاً كبيراً على صحة الإنسان وبيئته، هذا وقد صارت كل منطقة فارغة في بغداد والمحافظات مكباً للنفايات في غياب مواقع طمر صحي حقيقيَّة، إذ لا يوجد حتى هذه اللحظة في العاصمة موقع طمر صحي واحد ضمن الشروط والمواصفات البيئيَّة وجميع المواقع الموجودة في الوقت الحالي هي عشوائية وتؤثر بشكل كبير في حياة الناس من ناحية الصحة العامة والرائحة وتسهم في زيادة معدلات
الأمراض التنفسيَّة".
التخلص من النفايات
رئيس لجنة البيئة في مجلس محافظة بغداد نعيم هاتو يعرب عن أسفه بقوله: "توجد مواد معملي فرز النفايات اللذين تعتزم المحافظة بناءهما في منطقتي التاجي وبوب الشام في أحد مخازن أمانة بغداد بعد أنْ فشلت الشركة المنفذة في إنجازهما منذ 2014 ولغاية الآن".
ويضيف هاتو: إن "هذين المعملين اللذين وصلا الى نسب إنجاز بلغت 78 بالمئة سيخلصان العاصمة من النفايات المطروحة والتي تتراوح كمياتها بين 8 ـ 10 آلاف طن يومياً، رغم أنَّ سعة المعمل الواحد تقدر بـ1000 طن، هذا وإنَّ هنالك تحركاً قوياً لتخصيص مبالغ لإكمال هذين المعملين أو تسليمهما الى مستثمر لتشغيلهما بأسرع وقت ممكن بما يحقق الفائدة والجدوى الاقتصاديَّة وتشغيل الأيادي العاملة".
ويردف: إنَّ "التأخير ليس في صالح الحكومة بعد أنْ عمل مواطنون على فرز النفايات وبيعها منذ سنوات في منطقة النهروان وحصولهم على مبالغ كبيرة من هذه الأعمال، ما جعلنا نتحرك من أجل تحويل تلك الموارد الى فائدة الحكومة وكل أبناء الشعب".
موارد ماليَّة
الخبير الاقتصادي صالح الهماشي يقول: "الدول المتقدمة قطعت شوطاً كبيراً في قطاع تدوير النفايات والذي يعدُّ من القطاعات الصناعيَّة المهمة، هذا وإنَّ إنجاز العراق لمشاريعه في هذا القطاع سيوفر له موارد مالية كبيرة جداً ويمتص الأيدي العاملة عن طريق توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للمعامل الـ12 التي يمكن أنْ تنشأ في بغداد وأخرى في المحافظات".
ويردف: إنَّ "تلك النفايات تحوي موادَّ أولية كالحديد والزجاح والالمنيوم والنحاس والورق والبلاستك، فضلاً عن المواد العضويَّة، وهذه كلها يمكن أنْ تُحوَّل الى مواد أوليَّة تخدم جميع أنواع الصناعات، ناهيك عن الأسمدة التي يمكن الاستفادة منها في
الزراعة".
ويضيف: "النفايات السائلة يمكن الاستفادة منها لاستخراج غاز الميثان لتوليد الطاقة الكهربائيَّة، كما تفعل المكسيك التي تعدُّ الدولة الأولى في ذلك عن طريق استخدام الوديان للطمر الصحي واستخراج
هذا الغاز".
ويوضح الهماشي: "تدوير النفايات يعدُّ القطاع الناشئ ضمن التنمية المستدامة التي تحافظ على البيئة وحفظ المواد الأولية للأجيال القادمة، عن طريق توفير مواد أولية من دون الضرر بالبيئة أو استهلاك المواد الأولية المخزونة في التربة والبحيرات أو المجاري المائيَّة"، داعياً الحكومة الى ضرورة التحرك لإنجاز مشروع معامل تدوير النفايات للحفاظ على البيئة من ناحية وتوفير مردود مالي ومادة أولية واستخدامها في توفير الطاقة من
ناحية أخرى.