ليلٌ يلمُّ شملَ الغيم

ثقافة 2020/09/05
...

زهير بردى
 
يوميّات
البلادُ التي نصفها يقظتي ونصفها الآخر هيكلُ حمامةٍ ماتتْ من البردِ٠ وكثيراً ما أسحبُ الكلام من الماضي فتسقطُ من السريرِ الكتابة. وحينَ أتقدّم في الحبّ وأنا أتكثُّفُ في التأويلِ كعابرٍ الى أمس بلا غدٍ أرجعُ الى خرابةِ طينٍ لا تتقدّمُ في التجاعيد الباردة كجسد يسكبُ إبريقا من الثلجِ، ويرسل الأصابع الى جانبِ امرأةٍ تركتها هناكَ وقوفا دوني ولا تلملمُ الّا ساقاً تهتزّ في حقلِ ورد، وبلا شكّ ليس هذا خروجا لطقوسِ منفى اخترتهُ على ما يبدو لأكونَ ملحاً في يوميّاتِ فراسةِ مخدع، أتصرّف فيه وتأخذني إليه سُنّةٌ من الحبّ وليلٌ من ترابِ رغبته التي يمشي إليها أن يلمّ شملَ العالمِ. وينصتَ الى مجسّاته الشقيّة الحكيمة، لتلعقَ من أقواسهِ الضوءَ ومن وكرِه ما يعجبه ليطوي الطيّات ويصفرُ في طراوتها العمياء بعواء خمرةٍ تعرق من عطابها الاصصُ وأنفاس النوافذِ على سريرٍ، ينقّب كأنّما حكمة الحبّ في ملفّ أطراسِ يدٍ. تعلّقُ ببصرها عجبَ تجاعيد بريئة تثني على فتنةٍ لم تجفْ بعد في تعويذةٍ، ترقدُ وحدها تحتَ قربانٍ يذوبُ في قدّاسِ الجسد، يشاغلُ فكرةَ جمالٍ معقود بالعودِ والصندل. يكتبُ رعشته كلوحةٍ في بصرِ زوّار.
 
جسدي ليس من هذا العالم
أسمالي ليست غيمةً لتمطرَ غير أنّي أتكثّفُ وتحمّرُ أعضائي وتتمرّدُ، أرسلُ أشلائي المحبطة من تأمّلاتي الى سماءِ كلامٍ. لتهبطَ برعشةٍ حبّ وتبيضَ كحالوبٍ يسقطُ على الترابِ، جسدي ليس من هذا العالم مرسومٌ بقليلٍ من الطريقِ الى الظلام. أذهبُ الى الضوءِ وأحدّق في الجانبِ البعيد من نقطةٍ أتأمّلها عاجلاً كلّ يوم وأنا مستلقٍ آجلا، فوقي فانوسٌ وتحتي أنقاضي العارية أكتبُ ثملاً بالحبّ مطولة قميصٍ ملقي كإبرةِ خياطةٍ على فتقٍ صغيرٍ لحريرِ السرير في تلك الحقبةِ من الليلِ، عليّ أن أدلي بالرغباتِ فكنتُ لا أفهم كثيراً. عن غيمٍ يرغبُ بالخروجِ طريّا صالحاً ويطلقُ سراحَ لذّة سيرته الذاتيّة، فيمسكُ برداً صغيراً يعجنهُ بالترابِ ويصوغهُ كفرّيسٍ يقرأ الغيبَ في زيتِ ظلامٍ، أديرُ رأسي المفجوع بشرائط انسان أكبر سنّا في رتبةٍ سوداء حبّاً بوسعها أن تفترضَ رائحةَ نشوةٍ. عثرتُ عليها صدفةً بالفطرةِ من فكرةٍ تقدّمتُ إليها كتذكرةِ سفرٍ بيدِ أفعى ساقطة من مؤخّرةِ مضيّفةٍ. تجمعُ أبصاراً ذاهلة كدميةٍ تشربُ الواين في مقصورةٍ أمامَ مقعدٍ، قربَ دورةٍ صحيةٍ لتصريفِ عطفِ عجوز، أدركَ مبكّرا أنّه يستطيعُ أن يفتكَ منهكا بلعبِ الورق حتى مطلع الثرثرةِ. حين يمضخُ عواءً يشيرُ اليه في ذهولِ حياة تنهضُ بعكّازته.
 
آخر زفير لكائن
كسنواتٍ نحيفةٍ سوف تأتي فأذهبُ الى مقهى وأمارسُ الحبّ بفصلٍ واحدٍ، وطول الوقتِ أكونُ دافئاً كسيكارةٍ وأقرأُ في المرّة الواحدة عشرَة نساء، وغالباً ما أحدّقُ الى صمتٍ يهزّ شحوبَ الضوءِ. وأسمعُ العالمَ يريدُ ورداً يستغرقُ الوصولَ إليهِ فم فراشةٍ. وكما دائماً حينَ أذهبُ أوقظني هكذا كما أصبُّ الزيتَ عادةً قربَ فخذٍ. يرقدُ تحتَ هامتي قبلَ اندلاع تنفُسي الذي يمشي ويتصبّبُ خجلاً ويموءُ بمفرداتٍ نافرةٍ لا يدركها الليلُ الخامل باتجاهِ عريٍ سرّيٍ، يجيءُ بإسهابٍ طويلٍ أحياناً ويمزحُ بمزاجٍ عريضٍ في آخر زفيرِ كائنٍ في يديهِ جثّة ضوءٍ هامدةٍ، يلمحُ أنقاضَاً تنتقلُ بسرعةٍ قربَ الماء، صعلوكٌ ينسى في فمهِ شفةَ صديقته وأسمالَ الهةٍ، تسمعُ أصابعَ غانياتٍ يطمسنَ في الطين مسوّدات سكيرِ ليلٍ، يعبرُ الى قامة ملائكةٍ كانوا في عشاء فصحٍ يسردونَ ثمالتهم على أنقاضِ ماضٍ. يحدّقُ الى أرجوحةٍ قربَ سياجٍ ملَّ من نزواتِ القصائدِ بالثعابين والعرّافات ونفاذ شهوةٍ، تصلُ موسيقى عزاءٍ تبدّد آهاتِ أجسادٍ قلقة من الوشمِ، يسقطُ وفيراً فوق الترابِ وبتوقيتِ اليوم في اوّل حديثٍ. يطلقهُ حلقُ أُوبرا ترتشفُ بعجالةٍ قهوةَ أصابعه المُرّة.