بكائيات الربيع

ثقافة 2020/09/05
...

حميد المختار
 
ما سر هذه الفقدانات المتواترة التي أحرقت أخضر الشعر ويابس الفجيعة، من أين يأتي الحزن وكل هذه المرارات ونحن نرى كواكب الراحلين تأفل راحلة إلى آفاق مجهولة وأطيارهم تتوارى تباعا، حتى صار الغياب أوسع من حضور الأحياء وصارت المقابر بيوتا أليفة لها شواهد كالأبواب المفتوحة، وصارت البرازخ اوطانا مسكونة بالأحياء الذين اسسوا هناك يوتوبيا الغياب المقدس، أسوق قولي هذا مستحضرا اخي الشاعر البصري المبدع عبد الزهرة لازم شباري، المتواضع الخجول المنعزل عن بهرجة الأضواء والنشاطات الثقافية في مؤسساتنا الثقافية، لكنه حضر مهرجان كلاويش أكثر من مرة بمعية اخي القاص سعدون جاسم، كان الاثنان متلاصقين في المجيء والذهاب والإياب، يبتعدان عن الجموع ويتحاوران طارحين أفكارا حميمة تخص ذواتهم وكتاباتهم في الشعر والسرد وعبد الزهرة (ابو ثائر) الرجل المضياف الكريم وهو كحال أبناء ولايته البصرة يتمتع بالطبع ذاته في الكرم والضيافة والأخلاق العالية والمحبة التي يغدقها على اصدقائه واخوته سواسية كأسنان القلب وطعم الحب وزبدة المحنة، كتب الكثير من الدواوين الشعرية ومنها : (أوتار في غمدة) و (خطوات للبوح) و (الاخوانيات) و ( بكائيات الربيع) وله كتابات في النقد والقصة ومختلف المواضيع حتى التاريخية، لم يفته حضور مهرجان المربد فضلا عن مهرجان كلاويش، يعتكف طويلاً ولا يحب الظهور كثيرا، قضى ذات مرة ليلة في بيتي حين عدنا من السليمانية الى بغداد، ظل على خجله وعمق محبته وخلقه الكريم، في ديوان (بكائيات الربيع) كتب عني قصيدتين: الأولى عنوانها (ثمة وجع آخر.. الى حميد المختار) والثانية (أنت من يعرف ذاك بنفس الاهداء، يقول في الأولى يدهشني هذا السهد القائم في عينيك، هذا الصمت المتطاول في صحراء الروح، فالوحدة لا ترحم)، ويقول في الثانية: انت من يعرف ذاك الضوء الأخضر، فوق النهر، عند الشفق الاول للفجر، في بغداد الدنيا ألمح وجها غاب سنينا يرمق ذاك الجسد السحري بين حقول صارت فيما بعد كسهول ماتت في خضرتها،/: اما حين يناغي البصرة 
ويتغزل بها وهي الحبيبة القريبة والساكنة في الوجدان والروح فيقول عنها: البصرة منذ ذلك الزمن الاجوف، كنت في عيون البحارة ألقا يبوح بتنهداتك الدافئة، لكن بقايا دموعك المنحدرة فوق الطلول، لن تكفي لجلب أشرعة الرحيل..،/ صديقي (أبو ثائر) ستظل بكائياتك ليست في الربيع فقط وانما ستكون مسكونة ومورقة في كل الفصول، لن ننساك أيها الانسان المبدع، البصري حد النخاع، العاشق حد الوله، الطيب حد العظم، سلام عليك وانت تغادر الى قيامتك تاركا فينا حزنا لا يبرأ وذكرى
لا تنسى.