نقاهة ما بعد الربيع العربي

آراء 2020/09/05
...

  عبدالامير المجر

هل وصل (الربيع العربي) لأهدافه المرسومة ؟ السؤال يستدعي معرفة الاهداف اولا، وبما اننا لم نكن بالغرف المغلقة التي تم فيها التخطيط للزلزال، لذا فإننا سنقرأ رحلة الخراب من خلال معطياتها .. اهداف (الربيع العربي) كانت ابعد بكثير مما حصل، وفي مقدمتها اعادة رسم خرائط اكثر من دولة عربية، ان لم تكن الخرائط السياسية فالخرائط الاجتماعية، اي اعادة بناء الدول التي شهدت الاحداث، على اسس جديدة، باسم الفيدراليات وشكل انظمة الحكم التي يجب ان تكون محل صراع دائم بين (المكونات) لتقف السلطات القادمة على كراس واهنة، ووسط خرائط اجتماعية ممزقة، او عبارة عن كانتونات عاجزة عن ادارة نفسها بسبب تفتت المصادر الاقتصادية والنزاع على الحدود الادارية، بدأت اللعبة من العراق الذي اريد له بعد الاحتلال أن يتمزق على هذا الاساس، لكن الرفض الشعبي الواسع وموقف بعض القوى السياسية، حال دون حصوله.. الاحداث في سوريا، كانت بمثابة الشروع الحقيقي في تقسيم المنطقة كلها وليس سوريا والعراق فقط، ولهذا صنعت (داعش) التي نمت باحضان المخابرات الدولية المؤثرة وامام اعيننا ، تماماً كما دخلت غرب العراق امام اعيننا ايضا، واقامت دولتها المزعومة التي اريد لها ان تكرّس واقع الانفصال وتثبّت خرائط التقسيم ، الهبّة الشعبية في العراق وتطوع مئات الآلاف من المقاتلين بظرف زمني قصير، والتدخل الدولي المضاد لهذا المشروع وتوحد الجهد الاقليمي، بعد ان استشعرت كل من تركيا وايران خطورته على بلديهما، اسهمت في اجهاض هذا المشروع الذي لو مضى الى نهايته، او فشل العراقيون في دحر داعش، لكان وجه المنطقة الان مختلفا تماما، لقد دفع هذا الانتصار، غير المتوقع، من وقفوا وراء هذه اللعبة، لان يغيروا تكتيكاتهم في المنطقة او يؤجلوا المشروع، بعد ان بات تنفيذه الان مستبعدا، لاسيما ان هناك قوى دولية، رأت ان ما سيحصل في الشرق الاوسط من تغييرات مصنّعة، سيكون على حساب مصالحها ، والمقصود هنا تحديدا روسيا والصين وبعض الدول الاوروبية، لتبدأ رحلة جديدة من الصراع على النفوذ والمصالح، لكن باسلوب جديد وشعارات جديدة، ولسبب بسيط جدا، هو ان اللعبة القديمة انكشفت وسقطت، ليس فقط على الارض بل في نفوس الناس الذين اندفع اغلبهم للاحتجاج السلمي، تحت ضغط واقع اقتصادي بائس وشعارات الديمقراطية والحرية وغيرها، ليزج وسط هذه الفوضى بالتنظيمات الارهابية التي تم جلبها بعناوين (جهادية)، ودعمت بالمال والسلاح، لترافق هذه الحفلة الدموية وتتصدرها ، اليوم اصبحت هذه التنظيمات تعاني من شحة الموارد البشرية، بسبب عزوف الشباب عنها، والاحباط الذي اصابها بعد ان عرفت انها نجحت فقط في تدمير الدول، وهو هدف من كانوا يقفون وراءها، وادركه فيما بعد الكثيرون ممن انخرطوا فيها مخدوعين، الشيء الاهم من وجهة نظرنا، هو ان الشعوب العربية بشكل عام، تجاوزت صدمة (الربيع العربي) بعد ان انكشفت اللعبة، ما اعطاها مصلا مضادا لمثل الاعيب كهذه ، وباتت اكثر وعيا، ما حصل في مصر التي تخطت ازمة خطيرة، كادت تطيح بالدولة، ومايجري في تونس من تكرّس للدولة المدنية، وما يحصل في سوريا من انحسار للمد الاصولي ومحاصرته، وما يجري في ليبيا حيث العزل الواضح للقوى الارهابية، ونزوع الشعب لاسترداد الدولة، وانحسار النزعة الانفصالية في اليمن، وماحصل ويحصل بالسودان من توجه للمدنية بعد الثورة، ناهيك عما حصل في العراق من تغيّر كبير في المزاج العام، ومثله في بقية الدول العربية التي ايقنت ان الاسلام السياسي ليس هو الحل الوحيد لمشكلاتها .. كل هذه المعطيات تضعنا امام واقع ثقافي جديد، علينا أن نبشّر به.