د.عبد الواحد مشعل
مفهوم التنمية الشاملة ، حسب تعريف المختصين، هو إنماء متكامل في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فهي شاملة متكاملة مترابطة ويتم ذلك على وفق خطة ملائمة بعد استحضار الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة في المجتمع من أجل تحقيق تحول اجتماعي واقتصادي وثقافي لأبناء المجتمع مع ضرورة مشاركتهم في العملية من بدايتها إلى نهايتها.
ان أزمة ربط البحث العلمي بالتنمية البشرية، جزء لا يتجزأ من أزمة علمية ومنهجية اكبر، وهي تواجه بأدواتها التقليدية واقعاً تعصف به التغيرات في المجالات المختلفة ،دون أن تجد لنفسها مكاناً مميزاً في الإبداع والابتكار العلمي والتقني، إذ لا تزال الصفة الفلسفية والأدبية تطغى على مظاهر الإنتاج العلمي، لنجد مئات المجلات الأدبية والفلسفية والإنسانية تصدر في العراق وحتى في البلاد العربية أسبوعياً أو شهرياً أو موسمياً إلى جانب عدد ضئيل جداً لا يتعدى العشرات ، إذا تفاءلنا قليلاً، من المجلات العلمية في مجال الطب والهندسة والعلوم الطبيعية تقدم أبحاثها الأصيلة، وإذا أدركنا ابعاد هذه الصورة جليا ،أدركنا حجم المشكلة في الوقت الذي يحتاج فيه العراق نهضة حضارية ،لاسيما بعد إن أصبحت الأبواب مفتوحة امام مؤسساته العلمية للتواصل مع التجارب العلمية العالمية ، من حيث التأهيل والقدرة على الالتصاق بمشكلات المجتمع الآنية، و الاستفادة من مقدار التمويل المتاح لها حكوميا وأهليا، كذلك على مدى قدرتها على تقديم الأصيل والجديد الذي ينقذ واقعنا من التخلف الحضاري، ويتيح لنا حالة من الالتصاق والتفاعل مع الحركة العلمية المتصاعدة في العالم، لاسيما في مجال العلوم الطبيعية، ومن ثم اخذ زمام المبادرة في التنمية والتطور الاجتماعي والتقني بما يتلاءم مع ثقافتنا وحضارتنا ويعطي لنا هويتنا الحضارية المميزة.
الأمر يتطلب مراجعة نقدية موضوعية، ولا يمكن تنفيذه بشكل حقيقي من دون وجود توجه من قبل الدولة في تأسيس هيئة علمية نشطة، تشترك بها الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية في الاختصاصات المختلفة، وتستقطب الكفاءات العلمية العراقية في المهجر من اجل الوصول الى قاعدة علمية متكاملة لتشجيع بحث علمي يشخص مشكلات المجتمع المختلفة ، سواء في الجانب الاجتماعي أم الاقتصادي أم التقني أم الطاقة وإيجاد الآليات اللازمة، اذ يمكن وضع خطة تنموية متكاملة للنهوض بالبلد الذي لا يزال يعاني من مشكلات كبيرة ، إذ لا يمكن بأي شكل من الاشكال حل مشكلات المجتمع بدون البحث العلمي، كما انه لا يمكن أن ينهض من دون وجود إرادة سياسية مسؤولة تدعمه ماديا ومعنويا وتوجه مقدرات الدولة له، وهذا يتطلب إجراءات علمية مدروسة تضع الأمور في نصابها الصحيح، فالعراقي لديه من القدرات العقلية والمعرفية ما يمكنه من تحقيق انجازات علمية خلاقة، ومن اجل تنمية ذلك لابد من اجراء إصلاح شامل لمؤسسات الدولة ،لاسيما ذات العلاقة بالتعليم و التدريب المسؤول عن تهيئة جيل جديد مهني، اي تهيئة العناصر الشابة الفنية التي تمسك المواقع الإنتاجية في الصناعة والنفط والقطاعات الاقتصادية الحيوية ذات العلاقة بحركة الاقتصاد العراقي الذي يتطلب تهيئة مستلزمات التنمية الشاملة في البلاد، والتي ينبغي ان تحكم مركزيا ، وعلى وفق خطة علمية ، وبسقف زمني محدد، الأجيال الجديدة لها لغتها في التحصيل العلمي والمعرفي ما يتطلب بلورة مناهج وطرق تدريس وتدريب تتناسب مع اهتماماتها، فلم تعد الأساليب التقليدية بالتعليم تجدي نفعاً ،ولم تعد مهتمة بها، ولعل هذه ابرز العوامل المسؤولة عن تدني التعليم في مراحله المختلفة.