حمزة مصطفى
لا أعتقد أن أحداً من أبناء جيلي بمن في ذلك الزميل رئيس التحرير علي الفواز»إذ كلانا جئنا الى الصحافة من حقل الأدب» لم يقرأ رواية «شرق المتوسط» للروائي عبد الرحمن منيف التي صدرت طبعتها الأولى عام 1975. منيف الذي حتى حين كتب خماسيته الشهيرة «مدن الملح» بقيت رواية «شرق المتوسط» إحدى أهم محطاته الروائية بالإضافة طبعا الى «الأشجار واغتيال مرزوق» و»قصة حب مجوسية».
حين كتب منيف تلك الرواية التي تتحدث عن السجون العربية والتي حصرها في شرق المتوسط، حيث أنظمة الاستبداد، و كانت الخرائط وقتذاك ثابتة، وكانت الحرب الباردة بين القطبين «أميركا والإتحاد السوفييتي» على أشدها. وكان العالم المنقسم الى شرق وغرب يسير بانتظام على وقع خرائط سايكس ـ بيكو, ونتائج الحرب العالمية الثانية (1945) ، كان الزمن وقت كتابة الرواية هو زمن الايديولوجيات الصاعدة والمتصارعة معا, يمينا ويسارا بشتى التسميات والمسميات، ولذلك فإن أقصى ماكان يمكن أن يسجله المثقف على أنظمة شرق المتوسط هو القمع والطغيان وهو ماجسده بشكل رائع بطل الرواية رجب إسماعيل.
اليوم حيث سقطت القطبية الثنائية وسقطت أنظمة وايديولوجيات ونهضت أنظمة وايديولوجيات أخرى لم تعد الخرائط هي نفسها التي فشل القوميون واليساريون ومن بعدهم الإسلاميون بشتى تسمياتهم ومسمياتهم بتغييرها طبقا لما حلموا به ومن جملتهم رجب نفسه. مات عبد الرحمن منيف ومات رجب ومات عدد كبير من الروائيين الحالمين وأبطالهم الواهمين ليحل بعد نحو نصف قرن من أوهامهم جيل آخر لكن هذه المرة من السياسيين الآتين هذه المرة من غرب المتوسط لا من شرقه حيث يفترض أن لا سجون أو ظلم أو استبداد.
بدلا من رجب صاحبنا القديم كان لدينا اليوم رجب طيب أردوغان الحالم بالخلافة العثمانية مرة واحدة، ولدينا كذلك الشاب إيمانويل ماكرون (الرئيس الفرنسي) الذي لم يكن قد ولد حين نشر منيف «شرق المتوسط»، كلاهما يعيدان قراءة الرواية لكن ليس من وجهة نظر النقد الأدبي بمدارسه الأدبية الفرنسية، بدءاً من رولان بارت وبول ريكور الى جاك دريدا, بل من وجهة نظر الخرائط، فشرق المتوسط الذي كان قبل نصف قرن مجرد رواية يشكو بطلها ظلم السجون صار اليوم قصة صراع بين القوى الكبرى والاقليمية على الثروة والنفوذ لا على .. الشكل والمضمون.