عن كتابات سياسيَّة خارج العقلانيَّة وداخلها

آراء 2020/09/06
...

 أ.د.عامر حسن فياض
 
 

الكتابات السياسية بمختلف ضروبها (كتاب – بحث – مقالة – تقرير... الخ) تتوزع ما بين بعضٍ يدرج ضمن دائرة العقلانية والبقية الأخرى تذهب الى خارج سرب العقلانية.

وعندما نقرأ تلك الكتابات فمن الأهمية تلمس العقلانية فيها لقبولها واللاعقلانية لرد قبولها..
وهي مقبولة عقلانياً تلك الكتابات التي تنتبه الى أنَّ القوى السياسية الوازنة والمتنفذة لا تميز بين الاستحقاقات الوطنية والاستحقاقات الجهوية، إذ ينبغي تجريم الخلاف بينها في الاستحقاقات الوطنية ومباركة الاختلاف بينها في الاستحقاقات الجهوية.. وهي كتابات عقلانية عندما ترى ضرورة احترام الدستور والالتزام بأحكامه بوصفه منظومة حاكمة لا تعلوها اتفاقات توافقية ومن دون ذلك فإنَّ الدستور ليس هو الخطر بل هو في خطر..
وهي كتابات مقبولة عقلانياً عندما ترى أنَّ المعارض والمحتج والمتظاهر في بلدان المنطقة يعرف ما لا يريده ولا يعرف ما يريده، وهي كتابات غير مقبولة عقلانياً عند توصيفها كل سياسي انه رجل دولة، علما أنَّ كل رجل دولة هو سياسي وليس كل سياسي رجل دولة..
والكتابات السياسية العقلانية لا يروق لها غياب الظفرين او القوسين عن عبارة (الربيع العربي) ويروق لها الإشارة الى زمكانية وكيفية رفع الظفرين أو القوسين عنها، لأنَّ عبارة (الربيع العربي)، كما ترى الكتابات العقلانية، هي حقيقة لا يمكن نكران مسبباتها الداخلية والخارجية ولا الخشية منها، ولكن لا بدَّ من فهم تداعياتها ولا بدَّ من الخشية على مستقبلها.
ومن غير الممكن تلمس العقلانية في الكتابات السياسية غير المنتبهة الى التضليل والخداع والمبالغة بعظمة وقوة الكيان الصهيوني بينما كتابات العقل والعقلانية ترى جيداً أنَّ هذا الكيان كان يعيش القلق من محيطه وأصبح يعيش الخوف من محيطه وسوف يعيش الفزع من محيطه بسبب المقاومة..
وفي لبنان ما عادت الكتابات السياسية العقلانية تتغنى بعبارة ان قوة لبنان تكمن بضعفه، وان وجود واستمرار لبنان مرهونيان بالطائف والطوئفة، بل إنَّ الكتابات السياسية العقلانية هي التي تؤسس لدولة لبنان المواطنة التي تستمد قوتها من حكم يحافظ على انسجام ثلاثية (الشعب والجيش والمقاومة)..
إنَّ الكتابات السياسية العقلانية لا تغفل التخادم الأميركي التركي منذ بدأت العدوانات التركية على السيادة العراقية لأنها كتابات تدرك أنَّ تواصل وتمادي الاعتداء على العراق يعني أنَّ المعتدي التركي على العراق يريد أنْ يوصل رسالة أميركية بظرف وطابع ومرسل تركي الى العراق بضرورة نسيان مطالبته بانسحاب القوات الأجنبية من العراق وتكريس وهم الحاجة والبقاء للقوات الأميركية فيه!.
وفي العراق ما عادت الكتابات السياسية العقلانية عن دولة كانت أو دولة تكونت مقبولة، بل المقبولية أصبحت من نصيب الكتابات النقدية عن حكم الملوك وحكم العسكر وحكم المكونات والمحاصصات في عراق يحتاج الى رؤى ومقتربات ومناهج تغادر عراق ما قبل الدولة الى عراق الدولة...
ولا ترحب الكتابات السياسة العقلانية بالجري الى مساعدات دولية تعطي سمكة ولا تعطي صنارة صيد السمك للشعوب الجائعة.. ولا للجري المحموم 
للتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية وهي الحليف غير الموثوق به كما أثبتت كل تجارب التحالف معه عبر التاريخ..
وكذلك لا تثق الكتابات السياسية العقلانية بوهم أنَّ الولايات المتحدة الأميركية تعمل وتبحث عن شركاء لقيادة العالم لأنها لا تقبل قيادة العالم إلا مع 
اتباع.. وكذلك لا تنشغل بالتوصيف الانبهاري الذي يثير الإعجاب بالانتخابات الأميركية بعد أنْ أصبحت هذه الانتخابات تثير العجب زمن إدارة ترامب المثيرة للعجب؛ لأنَّ العنصرية المتجذرة انفجرت بعد أنْ كانت غافية ومندثرة بالمساواة المزعومة، ولأنَّ الاحتجاجات الملونة استعرت بعد أنْ أراد الملونون التنفس، ولأنَّ الانقسامية الاجتماعية الطبقية ظهرت بوضوح على السطح بعد أنْ اشتد التفاوت وتراجع منسوب العدالة الاجتماعية.