مشروع الشام الجديد.. حجر في بحيرة راكدة

آراء 2020/09/08
...

   أمين قمورية
يستحق مشروع "الشام الجديد" الذي طرحه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي امام القمة الثلاثية المصرية – الاردنية – العراقية في عمان التوقف عنده ، فهو لا يشبه المشاريع السابقة التي طرحت لتحالفات دول المنطقة ، لا في الشكل ولا في المضمون ولا في التوقيت، ويحرك مياهاً راكدة في بحيرة عربية اصابها الجماد والتكلس من زمان.
والمشروع كما عرف عنه الكاظمي ، يركز على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة في خطة ستكون فيها تدفقات رأس المال والتكنولوجيا أكثر حرية، وتكون نسخة مصغرة عن الاتحاد الأوروبي، وتعتمد رؤية المشروع على التكامل بين مصر، التي تمثل كتلة بشرية، والعراق ككتلة نفطية، كما سيستفيد منه الأردن. ويكون اساسه مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم مصر وتحصل كل من الأردن ومصر على النفط العراقي بخصومات تصل حتى 16 دولاراً للبرميل، في حين يستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن، ويعمل على استقطاب الاستثمارات إلى العراق.   ويبلغ الناتج المحلي لكل من العراق ومصر والأردن مجتمعين نحو 500 مليار دولار، في حين تصل الكثافة البشرية فيها إلى نحو 150 مليون شخص، كما تملك هذه الدول طاقات تجارية واقتصادية وسياحية كامنة وقواسم تاريخية وثقافية مشتركة تجمع بين شعوبها ، من شأنها أن تجعلها منطقة اقتصادية ناجحة. 
صحيح ان مشاريع التكامل بين هذه الدول جربت في السابق لاسيما بين بغداد والقاهرة في ثمانينيات القرن الماضي من خلال فكرة هجرة منظمة من مصر للاستثمار في قطاع الزراعة، الا انها في الوقت الحالي تشكل إلحاحاً كبيراً ، الظروف تغيرت الان بالكامل ، وبات التوقيت حرجا وملحا لاحداث تغييرات في الرؤى والعمل المشترك والتعاون . العراقيون يعانون بعد سنوات عجاف من الاقتتال والارهاب والدمار ، والشارع في حالة غضب ازاء تفشي الفساد وتدني الخدمات والنزيف المستمر والتدخل الخارجي ، وحال مصر والمصريين ليس افضل في ظل انكشاف ستراتيجي خطير لامنها القومي والمائي ، بفعل الحروب الدائرة في غربها الليبي وشرقها الغزوائي وتحدي الارهاب وتحدي سد النهضة الاثيوبي الذي يهدد حصة مصر من مياه النيل، كذلك الاردن والاردنيون المحاصرون بازمات عميقة تلتف على كامل حدودهم، لاسيما في فلسطين المحتلة، فضلاً عن ازمتهم الاقتصادية والمعيشية المديدة. وفي السابق كانت الاختلافات الايديولوجية والسياسية الواسعة القائمة بين هذه الدول تحول دون التقدم على طريق التكامل والتلاقي، اما الان فهذه العوائق ذابت كثيرا وصارت الفوائد الاقتصادية والمصالح عاملا مهما لجمع كلمة الدول. مع التذكير إن نجاح أعضاء الاتحاد الأوروبي في تحقيق التكامل والاندماج لم يأت إلا بعد قرون من الصراع، وبعد أن استشعروا جسامة ما خلفته الحرب العالمية الثانية، فهؤلاء نجحوا عندما ركزوا على التكامل الاقتصادي وتجنبوا الخوض في السياسة، قبل ان يتحول تكتلهم القاري الى قطب سياسي عالمي.ومن شأن تقارب مصر والعراق والأردن الذي بدأ اقتصادياً ، أن يتحول في وقت لاحق إلى تجمع اوسع يضم إليه دولا مثل سوريا ولبنان وربما دول عربية اخرى في شمال افريقيا، وفي هذه الحالة فإنه قد يكون البديل العربي المؤقت والمرحلي في حال بقاء الجامعة العربية على حالها من الوهن ، كما يمكن للتجمع الثلاثي أن يصبح تجمعاً فرعياً يرتبط بالجامعة العربية بهدف تحريك جمادها. 
لكن التفاؤل يظل مشوبا بالحذر في اقليم يقع على خط الزلازل الدولية والاقليمية، ذلك ان التكامل الاقتصادي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعوامل والمصالح الكبرى القائمة في المدى الجيوسياسي الأوسع نطاقًا، والذي جعل من منطقتنا احدى ابرز ساحات التجاذب السياسي والعسكري اقليميا ودوليا .
وفي ظل ظروف كهذه يبقى السؤال قائماً حول قدرة الدول الثلاث، على التقدم باتجاه مشروع تكامل بين الكتلة النفطية في العراق والبشرية في مصر والقناة الاردنية الرابطة بينهما.نجاح مشروع الشام الجديد على المدى المنظور يضمن للعراق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، إضافة إلى توفير مليارات الدولارات التي ضختها الحكومة سابقًا في القطاعِ دون جدوى، ويوفر على الحكومة خسائر مالية نتيجة عدم الاستقرار السياسي الذي تفرضه التظاهرات الغاضبة التي تندلع في الصيف احتجاجاً على انقطاع الكهرباء. بالنسبة للأردن لن يؤثر في اقتصادها كثيرًا على الأرجح، كونها تمثل في المشروع قطعة جغرافية ستراتيجية تنقل النفط من العراق مقابل الكهرباء من مصر، لكنّ مرور المشروع عبر أراضيها يسهم في عملية استقرار الطاقة وعدم قطع الكهرباء، رغم أنّ مشكلة عمان الرئيسة تتمثل في أنها تستورد 97% من طاقتها، الأزمة الأخرى التي يواجهها قطاع الطاقة في الأردن تتمثل في هدر الكهرباء الذي يكلف الحكومة سنويًا اكثر من 400 مليون دولار ، وبالنسبة لمصر فان الجدوى الاقتصادية للمشروع تتمثل في تحقيق ستراتيجيتها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة مع الأردن والعراق بقدرات تصل إلى نحو 2000 ميغاواط،
اما على المستوى الابعد ، من الواضح أن الحد الأدنى من التحركات نحو التوقيع على اتفاقيات التجارة المتعددة الطرف والتعاون الاقتصادي المشترك ؛ من شأنه أن يعزز الاقتصادات المحلية بشكل كبير عبر تطوير التجارة المتبادلة وتدفقات الاستثمار، وهذا يؤدي إلى نمو الإنتاج الصناعي المحلي لخدمة الأسواق الإقليمية وتراجع أسعار السلع جراء المنافسة، وما ينتج عن ذلك من زيادة في انفاق المستهلكين وإيرادات الضرائب، وهو ما سيُنعش بدوره الاقتصادات المحلية، وستتراجع البطالة بشكل كبير.
وهذا سينعكس نموا في الدول الثلاث، من شأنه خلق مئات الآلاف من فرص العمل في القطاعات المختلفة، لاسيما بفعل الاستثمار في القطاعات التجارية والزراعية والصناعية. وسيكون في طليعة المستفيدين قطاع السياحة بعد اقرار الحق بحرية التنقل حيث تملك الدول الثلاث معالم اثرية وتاريخية تحتل مكانة عالية في التراث الانساني العالمي. 
وختاماً يمكن ان يكون التقارب الثلاثي نقطة ضوء في ظل الوضع العربي الراهن، اذ يقدم المشروع نظريا أفقاً جديداً للتعاون يقوم على أساس منطقي، ولكن الاحباط المتراكم بخصوص مشاريع كثيرة تحولت إلى أطلال سياسية يبقى غصة في الحلق.