مع اتساع الحديث عن الاستحقاقات الديمقراطية والانتخابات «المبكرة» يتسع الحديث عن الحاجة الى ايجاد البيئة السياسية والامنية وحتى الاقتصادية التي تكفل النجاح الاجرائي لتلك الاستحقاقات، وبما يعزز ثقة المواطن بها، وباتجاه توسيع مديات المشاركة الانتخابية فيها، والتي كانت محدودة في الدورات الانتخابية السابقة.
تعدد وجهات النظر حول تفاصيل الانتخابات وتقاطعها يعكس واقعاً سياسياً معقداً، فعدم الاتفاق على القانون الانتخابي، او على الدوائر الانتخابية، وحتى على قانون المحكمة الاتحادية يفتح الباب على سجالات وتقاطعات، قد تلعب دوراً في عدم الالتزام بالتوقيتات المُعلنة، والتي ستنعكس على طبيعة مشاركة المجتمع بها، لأن الناس تحتاج الى المصداقية والى « الاطمئنان» السياسي، مثلما تحتاج الى وجود البيئة السياسية المناسبة، المحمية بالقوانين والاتفاقات السياسية، وبالوضوح والشفافية التي تضمن مشروعية المشاركة، ومسؤوليتها في تعزيز المسار الديمقراطي على مستوى بناء الدولة، ومستوى بناء المؤسسات، واقرار التشريعات التي تعكس اهمية الالتزام بتلك الاستحقاقات الديمقراطية.
استمرار تلك التقاطعات والاختلافات، يعني استمرار الأزمات، وربما اضاعة المزيد من الوقت، وبالتالي ستعمد بعض القوى السياسية على خلط الاوراق، أو على فرض شروطها وتصوراتها على الواقع السياسي، وتعطيل معالجة الكثير من الملفات العالقة، لاسيما ان هناك مشكلات عميقة تستحق المراجعة، والوقوف كثيرا عندها، لعمق تأثيرها على مستقبل الاجتماع العراقي السياسي والثقافي والاقتصادي..
ملفات النفط والموازنة
من اكثر تلك الملفات استحقاقاً هي ملفات القوانين التي تخصّ النفط والموازنة، بوصف النفط هو عماد «الثروة العراقية» وريعيتها، وهو مايعني الحاجة الى قوانين واضحة والى اتفاقات محمية، تضمن مسؤوليات الجميع في حماية تلك الثروة، وفي توزيعها العادل، وفي توصيفها الوطني، لاسيما قانون النفط والغاز العراقي، على مستوى غايته ومستوى تطبيقه، وعلى مستوى ادارة مصادره وطبيعة صلاحيتها، وهي قضايا خلافية تحتاج الى رؤية واضحة والى مسؤولية فاعلة، والى ارادة وطنية حاكمة.
كما أن قانون الموازنة الوطنية في جوانبها التشغيلية والاستثمارية، يتطلب جهدا استثنائيا، واتفاقات «سياسية» تحسم التعاطي مع جوانبها المتعددة، والكيفية التي يمكن أن تُدار بها، وعلى وفق استحقاقات تربط مابين المجال التشغيلي، والمجال الاستثماري، لأن التفريط بأحدهما سيكون سببا في احداث مشكلات من الصعب السيطرة عليها، واحسب أن توسيع مديات الجانب الاستثماري في الموازنة يتطلب تأطيرا وتنظيما له علاقة بإقرار قوانين اخرى، لها علاقة بإيجاد البيئة الاستثمارية المناسبة، والمساهمة في دعم الصناعات الوطنية، والتقليل من الاعتماد على الاستيراد، وبما يضمن السيطرة على مشكلات الفساد والبطالة والهدر بالمال العام وضعف ادوات تعظيم مصادر الثروة الوطنية
غير النفطية.
إنّ التلازم مابين الديمقراطية والثروة تلازمٌ بنيوي، على مستوى ادامة المنافع المشتركة، وعلى مستوى دعم البرامج التي تعزز مسار الديمقراطية وعمل مؤسساتها، على مستوى استثمار الثروة بالشكل الأمثل بعيدا عن سوء التخطيط والتنظيم والحاجة، وهي قضايا انعكس اهمالها على صورة الاقتصاد العراقي الشاحبة، وعلى سوء ادارته، وفقره في التوظيف الستراتيجي خدمة لأهداف التنمية ولبناء المشاريع الكبرى، ولتقليل الاعتماد
على ريعية النفط.