راهب المسرح ثائر هادي جبارة

ثقافة 2020/09/12
...

ناجح المعموري
 
استدعت تجربة الفنان المعروف ثائر هادي جبارة اهتمام النقاد المسرحيين في المحافظة وخارجها وأيضا متابعات كتاب الصحافة اليومية، ويمثل جبارة اسما بارزا ولامعا، حصد الكثير من الجوائز والهدايا، وما زال فاعلا في تحديث رؤيته الفنية التي دائما ما تثير الاهتمام والعناية والدراسة.
ويكاد يكون اكثر التجارب حضورا من خلال فعاليات النشاط المدرسي والمحاولات الجمعية ولأنه – ثائر- حاز عناية ثقافية وفنية، انتبه مؤخرا على نشر (كتاب ثائر هادي جبارة في مآل النقد المسرحي) الصادر حديثا، ومن يطلع على هذه التجربة الجديدة والقديمة، لكن الفنان وفر لها ماهو مغاير عن السابق، وأكد  الاراء وحضورها، وذهابه الى الصحف التي نشرت عنه . 
ان الاطلاع على الاهداء الشخصي للفنان يساعد على فهم مشروعه الفني والرسالة التي تبناها ومن اجلها صمت طويلا زمن النظام الفاشي، وقال جبارة: 
“انها ليست خشبة مسرح بل صليبي.. الذي كنت احمله” والملفت في هذا الاهداء الشعرية الوظيفية والقداسة التي اضفاها على المسرح وكتبت تجربته الروحية والصوفية. في كثير من تجارب واستحق حيازة صفه “ راهب المسرح” ومثل هذه التجربة المتنوعة كتابة وإخراجا، وفرت فرصة للفنان للزوغ نحو الشعر واختبار إمكاناته، فاصدر حديثا ديوانه الأول، عرفت تجربته ذات الأربعة عقود تنوعات فنية مميزة وهي التأليف والاعداد والإخراج والتمثيل والتقانة المسرحية . 
قال د. علي الربيعي وجدت في بداياته المسرحية صحيحة، لأنها ذات أصول تأسيسية نظمها عدد من الرموز الفنية البارزة في المسرح العراقي ونجح هذا الفنان في تكريس كل الذي تعلمه وتدرب عليه في اكاديمية الفنون الجميلة في
بغداد.
 
خشبة المسرح
تشير الوثائق التاريخية الى ان الفنان ثائر هادي صعد خشبة المسرح عام 1968 عندما اسهم في عمل مسرحي ( المكائن ) والذي اخرجه الفنان سعودي جابر، ومنذ تلك اللحظة انتظمت علاقة ثائر هادي جبارة بهذا الفن واكتسبت تدريجياً ملامح جديدة وعرف آلية التعايش مع التجارب الفنية الجديدة في المحافظة والفعاليات المسرحية الاخرى، التي عرفتها المحافظات الاخرى هذا الولع والعشق، منح الفنان قدره مميزة على التعلم من التجارب وهو يؤمن بأن كل ما يقدم من اعمال مسرحية تنطوي حتما على ماهو جديد، يوفر فرصا لتغذية تجربة الفنان وما يشير لتجرية هذا الفنان، الذي حاز صفة الراهب تميزه بالكتابة النصية للمسرح وعرف عنه الكتابة نثريا وتوظيف الشعر، متعايشا مع تجارب شعراء عرفتهم المحافظة، ولا بد من الإشادة بالدور التاريخي وما فعله الزمن باستعادة الماضي وتوظيف مرويات عن ادباء ومثقفين وشعراء، وتجربة هذا الفنان معروفة ومتميزة بعلاقته مع الشاعر الكبير موفق محمد، ومثل هذه العلاقة تنطوي على وعي لما يتمظهر عن شعر موفق محمد وادراك للامكانات الفنية من اجل تحديد تلك النصوص من خلال العرض المسرحي، مضافا لذلك ان ثائر جبارة يمتلك حساً فنيا ومعرفة ووعياً متعالياً، لما يعنيه الشعر في المسرح، باعتباره احد العناصر البنائية المساهمة برسم حدود المسرح منذ بدايته المبكرة بالتاريخ، وحقق استجابات رغب بها ثائر وهي شحن العرض الفني بالطقوس والشعائر،  واستجاب لذلك وامتد معاً، وتحول هذا الانموذج المتميز ملمحاً بارزاً ولامعاً في اعماله واهم ما يمكن الإشارة لخلاصة فنية معروفة لكل من تابع هذه التجربة ذات العمق التاريخي هي الطاقة البارزة على توظيف الرموز وتفعيل العلامات عندما يكتب نصوصه ويذهب لاخراجها.
 ومن الخلاصات البنائية المهمة، ولع جبارة عندما يبرز مخرجا هو التمييز بالسينوغرافيا ويشحن كل ما يوظفه بالدلالات الثقافية والفكرية، وتعتبر ملكية خاصة به وقد شاهدت له عملا مهما، أوقع بعض من تحدث عنه بالوهم واعني بذلك مسرحية “ابصم بسم الله “ وهذا ينطوي على رسالة جوهرية تحذر المتلقي وهو يتأمل السينوغرافيا، لأن رموزه تختزل فضاء جوهريا وعميقا وتنفتح على تنوعات المعنى وهذا ليس سهلا، لأنه بحاجة الى عقل قادر على توظيف اللغة من اجل استهداف السلطة عبر تحريك الرموز المكتظة بالسينوغرافيا وينطوي هذا على نوع من ذكاء عاش تأريخا طويلا وتغذى بالخبرة والحوار مع التجارب الكثيرة التي اطلع عليها. 
 
آليات التجريب
ذهب د. عامر صباح المرزوك بذكاء نحو اهتمام جبارة بالتجريب ومزاولة لعبة التعري المتنوع استجابة لاليات التجريب والتعامل مع النص الأصلي، بناء على اعتبار خطوة اولى لبناء تشكلات ومكونات العرض المسرحي، الذي يريد المخرج أساسا إيصاله الى المتلقي ومن خلال العرض يمكن إقامة علائق مع فكر المؤلف وبالتالي مع مجتمعه الإنساني الذي يعيش فيه، وهو ما يعني بأن العرض بمثابة بوابة لمعرفة الفكر البشري الخاص بالجماعات التي عرفت اليات التخيلات وجعلت منها ذات حضور جوهري. 
والتجريب احد العناصر الفنية في تأريخ ثائر المسرحي واتذكر بأني قدمت نقدا عن مسرحية “تفعيلة في بحر هائج” وكان هذا العمل هدية من الفنان او الضمير الفني والثقافي، اهم ملمح ذهبت اليه وهو السعي نحو التجريب وفتح منافذ عديدة للوصول الى عرض مسرحي وليس على نص مسرحي، ولا انسى توظيفه لعلامة المثلث وهو أيضا رمزا عميقا من شبكات الرموز التي انتجتها الحضارات وحصريا سومر 
وأكد. 
 
طاقة سيميائيَّة
وقال الناقد د. بشار عليوي عن مسرحية اخاديد نحن إزاء عرض مسرحي متميز بتعدد رؤاه الفكرية، ومشحون بطاقة سيميائية، عالية تحتاج الى متلقٍ خاص، يحاول ملاحقة جميع مبثوثات اخاديد الرمزية، التي بثها ثائر في فضاء عرضه حينما عمد الى تأثيثه لكل ما هو متاح امامه من خامات متنوعه اغرق فيها العرض، فالمتتبع لمرجعيات المخرج المعرفية، يعي تماما بأنه متميز بقدرة مهمة، تمكنه أن يضع كل ماهو متاح امامه على خشبة المسرح لما تنطوي عليه من فعل، وهو مولع بوضوح بالصورة وتوظيفها بالنص في تمظهرات 
متنوعة.
 وقدم د. محمد ابو خضير التماعته المركزة والملتمعة وكثيرا من الاختزال والتوجه نحو شذرات ما يراه في بناءات العرض المسرحي، حيث قال: شحن المخرج ثائر نصوصه الادائية بلافتات سياسية مباشرة من شعارات وافكار تعنيفية للمؤسسة السياسية، والثقافية السابقة بصيغ التذكر لمظاهر حياتيه اشاعتها أجهزة المركز والاستبداد في الذات العراقية طوال عقود. 
ومن اجل الاقتراب اكثر من تجربة راهب الفن ثائر هادي نقتطف رأيا عن حوار طويل معه قال عنه العناصر الجوهرية المركزية المساعدة على نجاح التجربة المسرحية: “الحب والانتماء هما اللذان يؤسسان مراكز نجاح المسرح والذي هو بحاجة الى دعم الدولة، من اجل ان يتحول ضميرا للجماعات التي تعتمد عليه للتعبير عن احلامها وطموحاتها” وقدم ثائر تبريرا للجوئه الى مسرح الشارع هو تعطيل الدولة عن دعم المسرح ووعي ما يمكن ان ينهض 
به. 
أخيرا اجد ضرورة مهمة جدا، أن أشير الى أن جبارة اخرج 44 عملاً مسرحياً وشارك ممثلا في 72 عملا وجعله عشقه للمسرح وصار راهبا له كما ذكرت وعرفت الأوساط ولعه، بتكوين أرشيف متكامل لمسرح بابل، مثلما ذهب لإعداد ذاكرة تضامنية للأدباء والمثقفين محفوظة بسجلات وبإمكان من يريد الاستعانة بمثل هذه الذاكرة العودة الى خزان ثائر هادي جبارة، فهو لم يكتف بذاكرة مرويات عن المسرح والعلاقات وما حصل في الماضي القريب ودائما ما يستعين بتلك السرديات استعادة لدور المثقف الحقيقي والفنان الأصيل، انه فنان مهم وجدير بالاحتفاء به والتذكر بما حققه، انه الفنان الذي اتسعت له المحافظة حبا 
وإعجاباً.