حينما تحقق التقدم التقني في مجال الاتصالات واصبح العالم قرية كونية صغيرة، تم الكشف عن صور جديدة من التواصل الاجتماعي انقسم خلالها العالم بين مرحب لعصر تقني جديد وحياة عنكبوتية بأذرع افتراضية خارج مديات الزمان والمكان، وبالرغم من تعقيداتها الشبكية وطرقها البحثية، الا انها تصل في النهاية الى التبسيط في توفير الحاجات اليومية وحل الكثير من التعقيد الرسمي، حتى صارت ازمنة الروتين والمراجعات والمواعيد والحضور وما تسببه وسائل النقل المتعددة من جهد وتعب ومشقة، اضافة الى الزخم البشري المزدحم والمشتبك من الماضي، فحياة التواصل التقني الحالية تمنح الفرد حريته في الانغماس بذاته والتفاعل معها، بعيدا عن الاخر المفروض في كثير من مرافق العيش واقعيا، وبالوقت ذاته الذي يمنح الحرية لذاته فان التواصل مع الآخر جزء من خياراته وخاضعة لإرادته في نوع وشكل الاخر، دون ان يفقد خياراته خارج منظومة التواصل التقني وولوج اليومي والتعامل معه ولكن بمقدرات الاختيار لا الاجبار، في حين يرى الفريق الآخر المنحاز الى اليوميات الحياتية التي يرى فيها عبق التواصل والشعور بحركة الحياة ضمن مدياتها الحقيقية، فمن دونها تفقد الحياة روحها ونكهتها وتواصلها الاجتماعي الحي مع الايمان بان التقدم التقني هو قدرية التطور الحياتي لمفردات الحاضر المعاش، فالحياة لا يمكن ان تتوقف عند حدود التواصل الحي والعمل التقليدي، ومثاله ان للمهن والاعمال والسلوك التقليدي الذي تقهقر امام زحف التقنيات له روحه ومكانته على الاقل التراثية، فضلا ً عن التواصل الماضوي مع المكان والآلة والسلوك، فلا يمكن الاحساس بالمشاعر ورونقها وحرارتها ودفئها عبر منصات تقنية ولا يمكن للحظة المعنوية ان تلتقطها وتعبر عنها شاشة تقنية، فللمشاعر والاحاسيس نفسا، لا يمكن ان تنجح التقنية بتوصيله للآخر والاحساس به، فالمواجهة الحقيقية خارج عوالم الافتراض لها اسسها وانطباعاتها الاجتماعية والمعنوية، وبالرغم من ان كل فريق ايقن بإيجابيات طرح الاخر، فان الجميع وصل الى مساحة مشتركة فلا يمكن الاستغناء عن روح ونكهة الحياة لمصلحة التقنيات وبالمقابل لا يمكن تجاوز التقدم التقني، الذي قدم الكثير من الخدمات التي ارهقتنا لأزمنة متعددة وصار متاحا اختصار الكثير من الجهد على نقرة زر لحاسبة او لهاتف او لجهاز يخولك استلام راتبك الشهري او ارسال معاملتك او الحجز لرحلات سفرك دون تكلفة المشقة بالذهاب والاياب، وسارت الحياة بمتوالياتها اليومية الراهنة وتقنياتها المتعددة، حتى ظهور فيروس كورونا الذي فرض واقع جديد، سارت خلاله حياتنا بصورة مدجنة، فصار الآخر جحيما وتنازلنا عن الكثير من السلوكيات والعادات والتقاليد، وبالرغم من ان الفيروس منح فرصة ذهبية للتواصل التقني، الا انه عطل الكثير من مرافق الحياة التي لا يكفي التواصل التقني فيها، فصارت المنظومة الحياتية المقترنة بالفيروس تمتلك قوانينها وقراراتها الملزمة الضاغطة على الحرية والمدجنة للإنسان والفارضة لكليانيتها على المجتمع، هذه الحياة المدجنة نجح الفيروس في تحقيقها، في حين فشلت الكثير من الافكار والرؤى الايديولوجية العالمية، سواء كانت محسوبة على اليمين او اليسار من تحقيقها، التي حاولت لسنوات عديدة استرقاق الانسان، لكنها اصطدمت بالرفض تارة والتمرد تارة اخرى، في حين يتمطى الفيروس ناشراً اذرعه الرهيبة على جغرافية العالم يقابله خضوع بشري تام في الدور والمنازل واذا ما خرج من الحدود المرسوم له، فان عليه ان يخرج بكمامة خانقة تغطي نصف وجه وبقفازين تجعله اقرب الى حارس مرمى وبالفعل هو حارس مرمى لمنع كورونا من تسجيل اهدافها في شباكه، التي نجحت كثيرا مع اخرين في الوصول وتسجيل اهدافها القاتلة.