الوحدة التي تضيء قصائد نبيل نعمة

ثقافة 2020/09/14
...

بغداد: مآب عامر
 
(إنني ذائب بهذا الهباء.. أركض نحو هاوية.. أسميها مدناً، أو منفى.. طاوياً تفاصيل متعلقة بالاسفار، كي أثير لهفة العائلة.. عثرة تدل على البئر، عثرة، ثم صارت الحياة عميقة)، هذا هو النص الذي افتتحت به المجموعة الشعرية (وحيدان أنا وظلي) لنبيل نعمة.
الملفت في المجموعة الشعرية التي صدرت حديثاً عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق أن نعمة مضى في ترقيم قصائدها وكأنها قصيدة واحدة توحي بآخرين يجمعهم في جسده، كما في النص الشعري الذي يراه القارئ على صفحة الغلاف الخلفي للمجموعة، حين يقول: (هذه يدّ ليست لي/ لمقطع منها أشير/ ذاك لسان من؟ / كأنني في جسمي/ أجمعُ آخرين).
تدور العديد من قصائد المجموعة الشعرية (وحيدان أنا وظلي) حول الوحدة والغربة والهم الوجودي، وتكشف للقارئ ما يخبرنا عنه الفلاسفة في أن (الماضي غير قابل للتغيير، لكن الأمر متروك للشاعر كي يقول لنا بكلمات مؤثرة لا تُنسى، كيف تبدو تجربة هذه الحقيقة من الناحية الإنسانية)، كما نرى في بعض من قصيدة رقم “3”: (وأفكر كثيراً بالانعتاق من ظلي/ وتلك محاولة أن أربطه في الزحام/ أعرف أن كثيرين يفكرون بسرقة ظل الشاعر/ أجزم بجرأتهم على فعل ذلك/ تماما كما يفكر كثيرون في سرقة فكرة من رأسه/ كثيرون يستهويهم الاندماج مع ظل/ كثيرون/ وأنا بالملل منهم أشعر).
في قصيدة رقم (1)، على سبيل المثال، يتناول الشاعر الوحدة من خلال صور الخذلان والقسوة: (حسنًا،/ أيَّتُها البدايةُ؛/ أنا أتنصّلُ منكِ برفقٍ،/ كمنْ يسحبُ ظلَّ وردةٍ من حديقةٍ نائية،/ تاركًا في الأخضرِ هذا الفراغ./ أتنصلُ/ من طينٍ أتعبَ خزافينَ،/ ومن زمنٍ شاعر،/ أتأملُ فيهِ وجهَك…/ هذا مغرمٌ بتفاصيلهِ، ذابَ في هاويةِ اكتماله./ هذا مأسورٌ بالماءِ، أنهكهُ العطش./ آخرٌ بأحلام بددتْها نهاراتٌ…/ أنا في النهاية،/ لا أريدُ أن أشبهَكِ./ متطلعًا إلى فشلي،/ أقفُ على هاويةٍ كمنْ ينتظرُ غبطةً لمْ يعدْ يهتمُّ بها أحد./ أفتشُ عن أشياءَ ضائعة،/ عن نسياني مثلًا،/ وكأنَّ يدًا ماكرةً تسيّدتْ على اجتياحي في الخذلانِ./ مكررًا صرتُ كثيرًا./ في خطواتٍ مجروحةٍ،/ تركتُها خلفي./ أصرُّ على العمى،/ صوتي الذي أطلقتْهُ من بعيدٍ/ يعرّشُ في الظلامِ كشجرة./ الصوت،/ فانوسُ وحدتي التي تضيء./ لا قسوةٌ تشبهُ الانتظار، لا عزلةٌ تشبهُ المرايا./ أنا بكلِّ هدوءٍ أنسحبُ الآن،/ جانحًا للظلِّ، لفشلٍ آخر…/ الفاشلونَ على شاكلتي/ يتأملونَ البدايات).
أما قصيدة رقم (4) فيقول الشاعر: (كلُّ الذي أعرفهُ/ إنّني منذورٌ لحربٍ كحصان. / الحصانُ في الحربِ لا يموتُ إثرَ نوبةٍ قلبية./ مثلَ أقراني أفكرُ دائمًا باعتذار،/ يتكفلُ أحدُهم به، وليكن الله/ عن الحياة اقصد).
ويهتم الشاعر في قصيدته رقم (6) بمعنى الحياة المراوغة إلى حد الخسارات: (الحياةُ/ كتابٌ منسيٌّ./ لا شيءَ ينبتُ على كتفِ وحدتهِ/ غيرُ الغبار../ إنَّها هوى النايات الذي مسَّ بالطعنِ الأغاني./ الحياةُ غلطٌ فادحٌ،/ سلّةٌ من الخساراتِ،/ مزيدٌ من الحمقِ،/ مجازاً أختصرُها/ بحكايةِ النومِ والاستيقاظ). جاءت المجموعة الشعرية في (95) صفحة من القطع المتوسط.