تعد الواقعية السحرية مذهبا أدبيّا لا يستهان به، نشأ وازدهر خلال القرن العشرين، فبدأ تحديدا عام 1935، وتجلى بين أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وتعزى نشأتها إلى التغيّرات الاجتماعية والسياسية في أوروبا، وما جاء به عصر النهضة من وقوف ضد كل ما هو سحري وعجائبيّ باعتباره من مخلفات عصور الظلام.
الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية -حيث نشأت وتطوّرت- كرد فعل لهذا الموقف، فقام كتاب أميركا اللاتينية بملاحظة التطور الإبداعي وملاحقته، في أوروبا، ثمّ أميركا الشمالية، مستفيدين من الإسهامات الفعّالة للسريالية في ذلك الوقت، ثمّ عودة الأساطير إلى الأدب، وما أحدثته العديد من الحركات الأدبية من تطور في الفن الحديث، وقد ازدهرت الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية؛ نظرًا لغنى الثقافات الشعبية للمنطقة الجغرافية هناك، بكل ما هو سحري وأسطوري وعجائبي.
وظهرت في العراق روايات منها (فرانكشتاين في بغداد) التي تقوم على الواقعية السحرية لأحمد سعداوي، إذ يقوم بطل الرواية هادي العتاك (بائع عاديات من سكان حي البتاويين وسط بغداد)، بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات الإرهابية خلال شتاء 2005، ويلصق هذه الأجزاء فينتج عنها كائن بشري غريب، سرعان ما ينهض ليقوم بعملية ثأر وانتقام واسعة من المجرمين الذي قتلوا مالكي أجزائه المتكون منها، والحقيقة أن هذه الشخصية هي نوع من الخيال او جزء من خرافة او سحر بطريقة ما، يسرد هادي الحكاية على زبائن مقهى عزيز المصري، فيضحكون منها ويرون أنها حكاية مثيرة وطريفة وغير حقيقية، ويكتشف الجميع ــ لاحقا ــ أنهم يشكلون، بنسبة ما،هذا الكائن الفرنكشتايني، أو يمدونه بأسباب البقاء والنمو، وصولا الى النهاية إذ يتم إلقاء القبض على العتاك لأنه المجرم الحقيقي ويقدم
للعدالة.
وفي رواية (ليلة الملاك)، لنزار عبد الستار يدخل الاسطوري بين طيات الواقع، لتشكيل حلم طفولي يليق بصبي موصلي عاقره الحرمان او هو الذي عاقر الحرمان او كلاهما عاقر الآخر، ومن اجل اجتراح بهجة في ثنايا الوحشة والألم، يأتي نزار عبد الستار بمخلوق أسطوري ما ورائي فنتازي اسمه (السمارتو)، ليعيش في عالم (يونس) الصبي الموصلي المندهش بكل شيء، إذ يتحول (السمارتو) الى (جني) بدون (شبيك لبيك) ليحقق رغبات طفل محروم، وحينما يعالق نزار عبد الستار بين الواقع والاسطورة، فإنه يخلق واقعيا سحريا أجمل من السحر نفسه .
وفي رواية فاضل العزاوي (آخر الملائكة) نراه يرسم شخصياته الواقعية غير مكترث بالتصنيف المعروف عن الخير والشر، وجعلهم يتنقلون بسهولة بين الخطأ والصواب، واحيانا يرى المتلقي بأن السارد يترك الشخصيات في مهب الصدفة او خاضعة الى لعبة الاقدار، ولا يجعلنا الروائي أسرى لهذه الشخصيات مكانيا (مدينة جقور في كركوك) بل يجعلنا نحلق في فضاءات تلك الشخصيات الواقعية – الغرائبية، لنتوقف عند الاحداث التاريخية زمنيا (سنة 1946 – 1949 انتفاضة كاورباغي) امتدادا لمرحلة الخمسينيات (ثورة تموز 1958) صعودا لفترة الستينيات (انقلاب 1963) و(حكم العارفين).
أما ضياء جبيلي فيدخلنا من خلال روايته (بوغيز العجيب) في متاهات ودوامات سردية يبدو لأول وهلة أنها لا تنتهي وهذا كله في ٨٣ صفحة مليئة بالسرد المكثف والحكايات التي تجعل القارئ يلهث وراءها لمعرفة ماذا يخبأ لنا الكاتب من حكايات.
والرواية تنتمي الى الواقعية السحرية او العجائبية الواقعية وفي الرواية شخصيات محدودة لكنها تمحورت كلها حول هذا الرجل الاسود ” بوغيز ” الذي يتميز بضخامته وبلاهته، وكذلك نجد الباشا ”عزت رفقي” والشيخ ”غالي عبد ربه” ولكل شخصية منها ترمز الى حالة من حالات الجنس والسلطة والدين وهي القضايا التي يتحاشى اغلب الروائيين العرب الخوض فيها كلها دفعة واحدة .
تدور احداث الرواية في محلة ”الكرخانة” البصرية وفي اجواء تذكرنا برواية ”من يفتح باب الطلسم” لعبد الخالق الركابي حيث الباشا الذي يسيطر على المحلة ويستولي على الاملاك بعد ان قضى اغلب السكان بمرض الكوليرا.، الرواية تبدأ بمشهد قتل هذا الباشا وياخذنا بعدها جبيلي في رحلة سردية عبر متاهات السلطة والجنس والتقاليد.
وتثير رواية (أحمر حانة) لحميد الربيعي جملة من الأسئلة تكفلت عملية السرد والمسرود بالإجابة عنها، ولعل تشكل بنيتها الداخلية على محورين أساسين هما المتخيل والعجائبي يضعان الرواية العراقية المعاصرة أمام مهمة مناسبة جدا للكشف عن تعالقها مع الواقع واقتراح الشكل المنسجم جدا مع ما أفرزه التغير في البنية الاجتماسياسية بعد نيسان/2003.
إن (أحمر حانة) هي رواية عجائبية تتعالق مع الواقع على سبيل المحاكاة والتمثيل، فهي تتخيل واقعا ورقيا لا وجود له في الواقع ومنسوخا منه بل تتخيل وجوده مماثلا ومحاكيا لما يحتمل حدوثه في الواقع، ويترتب على ذلك خضوع الأحداث لمبدأ السببية والمنطق لتبرير وقوع الأحداث كيما تتم عملية التمثيل والمحاكاة على أكمل وجه لتتمكن من توفير قابلية الإقناع بصحة وإمكانية ما يحدث في الواقع الورقي المتخيل. أما في الرواية العجائبية او الواقعية السحرية فإن المتخيل هو ما لا يتبدى للمرء في ارض الواقع. فكل ما يحدث هو خيال لا يمكن تلمسه في الواقع لا على سبيل التمثيل ولا على سبيل المحاكاة...
وفي رواية (سفاستيكا) لعلي غدير ثمة توثيق لمرحلة ما قبل التغيير في العراق بدءاً من عام 1979 واشتغال واضح على رسم صورة الرئيس الدكتاتور وملامح شخصيته وطبيعة تكوينه وآيديولوجية تفكيره، لكن الرواية لاتغنينا بالتفاصيل عن تلك المرحلة ولا تقدم تفصيلات للأحداث السياسية بقدر ما تبثه من تهويمات مكثفة وملامح واشارات حول شخصية الحاكم الرسمي للعراق آنذاك، وهي رواية نستطيع ان نضمها الى تيار الواقعية الا اننا نصطدم بالمثيولوجيا التي تحيلنا الى السحرية والخرافة فتجعلنا نصنفها في خانة الواقعية السحرية إذ اننا نلحظ ملامح الواقعية السحرية بدءاً من العنوان الذي يشير الى الحظ السعيد حسبما جاء تفسيره في اللغة السنسكريتية، هذا العنوان يتوازى ضمناً وبدقة محسوبة في تناقضها مع الجانب الواقعي الممثل لأحوال العراق بعد عام 1979 من اوضاع فساد وفقر ونزعة لتشرب الخرافة والايمان بالشعوذة والسحر.
(نعتذر عن عدم ذكر المصادر والمراجع لضيق المجال ونعتذر ايضا عن عدم ذكر روايات أخرى تقع في اهتمام البحث نفسه للسبب اعلاه وربما عدنا اليها
لاحقا).