إنتاج الهويَّة الوطنيَّة

آراء 2020/09/15
...

   حسين رشيد
عبر مواقع التواصل الاجتماعي ينشر بشكل مستمر عن حملة إعمار وتشجير لزقاق او شارع فرعي في إحدى محلات العاصمة بغداد تمت بجهود وتعاون الاهالي او من خلال مجموعة من الشباب الذين يكونون مجموعة عمل منظمة، إذ توزع الأدوار في ما بينهم حسب اختصاص واهتمام كل واحد منهم، وفي غضون ايام يتحول شكل الزقاق والشارع الفرعي الى صورة اخرى مغايرة عما كانت عليه مسبقا.
هذه الاعمال التعاونية التطوعية التي فيها جزء من مسؤولية الملاكات البلدية تمثل حالة جديدة في البئية العراقية المجتمعية واعادة ارتباط المواطن بالوطن المتمثل هنا بالزقاق والبيت والمحلة، اعادة هذا الارتباط الذي تفككت بعض أواصره في العقود الثلاثة الاخيرة؛ نتيجة الحصار التسعيني وارهاب ما بعد 2003 ثم الفساد ونهب المال العام حتى بات الوطن في نظر الكثير من أبنائه ضيعة بيد القوى النافذة والمتنفذة في البلاد.
هذه الممارسات المجتمعية التي اخذت بالانتشار في السنين الخمس الاخيرة وبشكل خاصة بعد تظاهرات تموز وآب 2015، وكيف تحولت ساحة التحرير وساحات مدن البلاد الاخرى الى محج أسبوعي مساء كل يوم جمعة، وهي تنادي بمحاربة الفساد والارهاب وتوفير الخدمات، بعد انتهاء التظاهرة او قبل نهايتها كانت ثمة مجاميع شبابية تتبنى تنظيف الساحة وجمع النفايات بأكياس خاصة، لتدخل هذه الظاهرة في ما بعد الى الاحياء والازقة في جانبي العاصمة بغداد من قبل هؤلاء الشباب 
واصدقائهم.
في تلك التظاهرات تبلورت عملية اعادة انتاج الهوية الوطنية والتي اعطتها عمليات تحرير مدن البلاد المغتصبة من داعش دافعا آخر، فضلا عن استقبال النازحين من تلك المدن وتقديم ما يمكن تقديمه لهم من مساعدات ومعونات من أهالي المدن المستقبلة التي هبَّ أبناؤها للمشاركة في معارك التحرير ومنع تمدد عصابات داعش، حتى جاءت انتفاضة تشرين ورسخت عملية انتاج الهوية الوطنية وتقدمها على الهويات الاخرى.
في كل خيمة من خيم ساحة التحرير ثمة عملية انتاج لهوية وطنية، فالخيم جامعة لخطاب ومطلب وطني عابر للهويات الفرعية، وعي الشباب واصرارهم على التوحد أعطى أنموذجا عالي المستوى من أن جيلا سيكون له الدور الأهم في بناء البلاد واعادة الاعتبار للهوية الوطنية التي حاولت الهويات الفرعية اغتيالها بخطابات حزبية فئوية مذهبية تحاول ترسيخ مفاهيم بالية نتاج ارهاصات قادة وزعماء وخطابات بقيت بعيدة عن روح التحديث والتجديد في المضمون 
والشكل.
أعمال تأهيل وتشجير الازقة والشوراع الفرعية في المحلات السكنية نتاج لمفاهيم هذه الانتفاضة والتظاهرات التي سبقتها، ونتاج الروح العراقية المتحررة من الانتماءات الفرعية التي لاضير من الاعتزاز بها، لكن ليس تقديمها او تقديسها على حساب الانتماء للوطن، وهي ايضا نتاج حملة التبرعات والدعم المعنوي والعيني الذي قدم لساحات التظاهر في كل ارجاء البلاد من قبل الكثير من ابناء الوطن داخله وخارجه ممن تجمعهم الهوية الوطنية 
العراقية.